أَمَّا الْخُرُوجُ لِلْجُمُعَةِ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ، لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي بُطْلانِ اعْتِكَافِهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ اعْتِكَافُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، كَمَا لَوْ خَرَجَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، قَالُوا: إِذَا كَانَ اعْتِكَافُهُ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَيَّامٍ، يَجِبُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، لأَنَّهُ إِذَا اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِصَلاةِ الْجُمُعَةِ، وَفِيهِ قَطْعٌ لاعْتِكَافِهِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ مِمَّنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ، اعْتَكَفَ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ شَاءَ.
وَلَيْسَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يُقَبِّلَ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ، أَوْ يَتَطَيَّبَ، وَلَوْ جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، أَمَّا إِذَا قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ أَنْزَلَ، كَمَا لَا يُفْسَدُ بِهِ الْحَجُّ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ قَوْمٌ: يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقِيلَ: إِنْ أَنْزَلَ بَطَلَ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، فَلا يَبْطُلُ كَالصَّوْمِ.
وَلَوْ حَاضَتِ الْمُعْتَكِفَةُ خَرَجَتْ، فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ أَيَّةَ سَاعَةٍ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وَبَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنَ اعْتِكَافِهَا.