قَوْلُهُ: «تُجِنُّ بَنَانَهُ»، أَيْ: تَسْتُرُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} [الْأَنْعَام: 76]، أَيْ: وَارَاهُ وَسَتَرَهُ، وَسُمِّيَ الْجِنُّ جِنًّا لِتَوَارِيهِمْ عَنِ الْأَعْيُنِ.

فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجَوَّادِ الْمُنْفِقِ، وَالْبَخِيلِ الْمُمْسِكِ، فَجَعَلَ مَثَلَ الْجَوَّادِ مِثْلَ رَجُلٍ لَبِسَ دِرْعًا سَابِغَةً، إِلا أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَلْبَسُهَا تَقَعُ عَلَى الصَّدْرِ وَالثَّدْيَيْنِ إِلَى أَنْ يَسْلُكَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهَا، وَيُرْسِلَ ذَيْلَهَا عَلَى أَسْفَلِ يَدَيْهِ، فَاسْتَمَرَّتْ حَتَّى سَتَرَتْ جَمِيعَ بَدَنِهِ، وَحَصَّنَتْهُ، وَجَعَلَ مَثَلَ الْبَخِيلِ مِثْلَ رَجُلٍ كَانَتْ يَدَاهُ مَغْلُولَتَيْنِ إِلَى عُنُقِهِ، ثَابِتَتَيْنِ دُونَ صَدْرِهِ، فَإِذَا لَبِسَ الدِّرْعَ، حَالَتْ يَدَاهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَمُرَّ عَلَى الْبَدَنِ، فَاجْتَمَعَتْ فِي عُنُقِهِ، وَلَزِمَتْ تَرْقُوَتَهُ، فَكَانَتْ ثِقَلا وَوَبَالا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَحْصِينٍ لِبَدَنِهِ.

وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْجَوَّادَ إِذَا هَمَّ بِالنَّفَقَةِ، اتَّسَعَ لِذَلِكَ صَدْرُهُ، وَطَاوَعَتْهُ يَدَاهُ، فَامْتَدَّ بِالْعَطَاءِ وَالْبَذْلِ، وَالْبَخِيلُ يَضِيقُ صَدْرُهُ، وَتَنْقَبِضُ يَدُهُ عَنِ الإِنْفَاقِ فِي الْمَعْرُوفِ، فَهَذَا مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ عَلَى الْحَدِيثِ.

1661 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، سَمِعْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، عَلَيْهِمُ الْعَبَاءُ، وَالصُّوفُ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، قَالَ: فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لِمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015