التَّوَكُّلِ وَالتَّسْلِيمِ لِقَضَاءِ اللَّهِ، فَأَحَدُ الأَمْرَيْنِ تَأْدِيبٌ وَتَعْلِيمٌ، وَالآخَرُ تَفْوِيضٌ وَتَسْلِيمٌ.
وَرُوِيَ عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَبْك، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضٌ عِنْدَنَا هِيَ أَرْضُ مِيرَتِنَا، وَإِنَّهَا وَبِيئَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهَا عَنْكَ فَإِنَّ مِنَ الْقَرَفِ التَّلَفَ».
وَالْقَرَفُ: هُوَ مُدَانَاةُ الْوَبَاءِ، وَلَيْسِ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْوَى، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الطِّبِّ، فَإِنَّ اسْتِصْلاحَ الأَهْوِيَةِ مُعِينَةٌ عَلَى صِحَّةِ الأَبْدَانِ، وَفَسَادُهَا مُضِرٌّ مُسْقِمٌ كَالْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ.
وَقِيلَ: قَوْلُهُ: «فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» رُخْصَةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا، وَأَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ» رُخْصَةٌ، فَلَوْ دَخَلَهَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى التَّوَكُّلِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا عَلَى عُمَرَ حِينَ اسْتَشَارَهُمْ فِي دُخُولِ الشَّامِ، وَقَدْ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ.