الاخْتِلافُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَاشْتَدَّ الأَمْرُ فِيهِ بَيْنَهُمْ حَتَّى أَظْهَرَ بَعْضُهُمْ إِكْفَارَ بَعْضٍ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ، وَخَافُوا الْفُرْقَةَ، فَاسْتَشَارَ عُثْمَانُ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ، فَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الأُمَّةَ بِحُسْنِ اخْتِيَارِ الصَّحَابَةِ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ هُوَ آخِرُ الْعَرَضَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَمَرَ بِكِتْبَتِهِ جَمْعًا بَعْدَ مَا كَانَ مُفَرَّقًا فِي الرِّقَاعِ بِمَشُورَةِ الصَّحَابَةِ حِينَ اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَخَافُوا ذَهَابَ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ بِذَهَابِ حَمَلَتِهِ، فَأَمَرَ بِجَمْعِهِ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، لِيَكُونَ أَصْلا لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ عُثْمَانُ بِنَسْخِهِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَجَمَعَ الْقَوْمَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِتَحْرِيقِ مَا سِوَاهُ، قَطْعًا لِمَوَادِ الْخِلافِ، فَكَانَ مَا يُخَالِفُ الْخَطَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْمَنْسُوخِ وَالْمَرْفُوعِ كَسَائِرِ مَا نُسِخَ وَرُفِعَ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ.
وَالْمَكْتُوبُ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلْعِبَادِ، وَهُوَ الإِمَامُ لِلأُمَّةِ، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْدُوَ فِي اللَّفْظِ إِلَى مَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ رَسْمِ الْكِتَابَةِ وَالسَّوَادِ.
فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِاللُّغَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَمَا يُوَافِقُ الْخَطَّ وَالْكِتَابَ، فَالْفُسْحَةُ فِيهَا بَاقِيَةٌ، وَالتَّوْسِعَةُ قَائِمَةٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا بِنَقْلِ الْعُدُولِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَا قَرَأَ بِهِ الْقُرَّاءُ الْمَعْرُوفُونَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.