وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْحُرُوفِ اللُّغَاتُ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهَا الأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ، لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْوُجُوهِ أَيْسَرَ مِنْ بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتِّلاوَةِ، وَلأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَارِئَيْنِ» هَكَذَا أُنْزِلَتْ "، وَلَوْ كَانَ الاخْتِلافُ بَيْنَهُمَا فِي حَلالٍ، أَوْ حَرَامٍ، أَوْ وَعْدٍ، أَوْ وَعِيدٍ، أَوْ خَبَرٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَدِّقْهُمَا جَمِيعًا، لِمَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ مِنَ الْخُلْفِ، وَالتَّنَاقُضِ، وَكَلامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلا يَكُونُ هَذَا الاخْتِلافُ دَاخِلا تَحْتَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النِّسَاء: 82] إِذْ لَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَقْرَأَ كُلُّ فَرِيقٍ بِمَا شَاءَ فِيمَا يُوَافِقُ لُغَتَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ، بَلْ كُلُّ هَذِهِ الْحُرُوفِ مَنْصُوصَةٌ، وَكُلُّهَا كَلامُ اللَّهِ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ»، فَجَعَلَ الأَحْرُفَ كُلَّهَا مُنَزَّلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَارِضُ جِبْرِيلَ فِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ بِمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيُحْدِثُ اللَّهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ، وَيَنْسَخُ مَا يَشَاءُ، وَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَرْضَةٍ وَجْهًا مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ بِهِ، وَكَانَ يَجُوزُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَقْرَأَ وَيُقْرِئَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَهِيَ كُلُّهَا مُتَّفِقَةُ الْمَعَانِي، وَإِنِ اخْتَلَفَ بَعْضُ حُرُوفِهَا، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ جِبرِيلَ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ: «اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ»، فَقَالَ لَهُ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ، فَقَالَ: عَلَى حَرْفَيْنِ، حتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ، كَقَوْلِكَ: هَلُمَّ وَتَعَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015