عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ فِي أَصْلابِ آبَائِهِمْ، فَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الْأَعْرَاف: 172].
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى قَوْلِ حَمَّادٍ فِي هَذَا حُسْنٌ، وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ الْمُكْتَسَبُ بِالإِرَادَةِ وَالْفِعْلِ، أَلا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ».
يَعْنِي: فِي حُكْمِ الدُّنْيَا، فَهُوَ مَعَ وُجُودِ الإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ فِيهِ، مَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ.
قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ: أَنَّ الْفِطْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ الْعَهْدُ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الْأَعْرَاف: 172]، وَكُلٌّ مُقِرٌّ بِأَنَّ لَهُ صَانِعًا مُدَبِّرًا، وَإِنْ عَبَدَ مَا سِوَاهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] وَقَالُوا: أَيِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] وَكُلُّ مَوْلُودٍ فِي الْعَالَمِ عَلَى ذَلِكَ الإِقْرَارِ، وَهُوَ الْحَنِيفِيَّةُ الَّتِي وَقَعَتِ الْخِلْقَةُ عَلَيْهَا.
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي جَمِيعًا حُنَفَاءَ، فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِمْ»، وَذَلِكَ الإِقْرَارُ لَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ