وانظر هذا النقل فلعل محله إنما هو في مجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا فيما رفع للقاضي لأنه يجب عليه الحكم بقول مقلده كما مر ثم المتمحض لحق الله إذا جاء فاعله تائبًا سقط عنه لتعزير كما مر وأشار له في باب الصوم بقوله وأدب المفطر عمدًا إلا أن يجيء تائبًا وسكت المصنف عن التعزير بالنفي كما ذكر فيمن يزوّر الوثائق وعن التعزير بالمال أي بأخذه كأخذ أجرة العون من المطلوب الظالم أو بإخراجه من ملكه كتعزير الفاسق ببيع داره على ما تقدم في قول المصنف وفسق مستأجر وبالتصدق عليه به كما أشار له بقوله وتصدق بما غش ولو كثر وبإتلافه كإراقة اللبن على من غشه حيث كان يسيرًا وتقدم في القضاء وعزر شاهدًا بزور في الملأ بنداء وهل يكون التعزير بأخذ المال في معصية لا تعلق لها بالمال أم لا والأوّل مذهب الحنفية قاله عج وتوقفه في مذهبه فيه قصور فإن النهر مختصر البحر للحنفية عزًا للأئمة الثلاثة والصاحبين أنه لا يكون بالمال ونصه وما في الخلاصة سمعت من ثقة أنه يكون بأخذ المال أيضًا إن رأى القاضي ذلك ومن جملة ذلك من لا يحضر الجماعة مبني على اختيار من قال بذلك كقول أبي يوسف فإنه روي عنه أنه جوز للسلطان التعزير بأخذ المال كذا في الفتح ومعناه كما قال البزازي أن يمسكه عنده مدة لينزجر ثم يعيده إليه لا أنه يأخذه لنفسه أو لبيت المال كما توهمه الظلمة إذ لا يجوز أخذ مال مسلم بغير سبب شرعي أي كشراء أو هبة اهـ.
ثم إنها ترد إليه إذا تاب فإن أيس من توبته صرفه الإمام إلى ما يرى وفي شرح الآثار التعزير بأخذ المال كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ كذا في المجتبى وعندهما وباقي الأئمة الثلاثة لا يجوز التعزير به انتهت عبارة النهر وانظر قوله وعندهما مع ما نقله قبل عن أبي يوسف (وإن زاد على الحد أو أتى على النفس) وله الإقدام إن ظن السلامة فإن ظن عدمها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تعلق لها بالمال أم لا الخ. يدل على قصوره ما ذكره ابن رشد في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود في القذف ونصه مالك لا يرى العقوبات في الأموال وإنما كان ذلك في أول الإسلام من ذلك ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مانع الزكاة أنها تؤخذ منه وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا وما روي عنه عليه الصلاة والسلام في حريسة الجبل أن فيها غرامة مثلها وجلدات نكال وما روي عنه عليه الصلاة والسلام إن سلب من أخذ وهو يصيد في الحرم لمن أخذه كان ذلك كله في أول الإسلام وحكم به عمر بن الخطاب ثم انعقد الإجماع على أن ذلك لا يجب وعادت العقوبات على الجرائم في الأبدان اهـ.
وراجع ما تقدم صدر البيوع عند قوله وتصدق بما غش الخ. وفي نظم صاحب العمل:
ولم تجز عقوبة بالمال ... أو فيه عن قول من الأقوال
لأنها منسوخة إلا أمور ... ما زال حكمها على اللبس يدور
كأجرة الملد في الخصام ... والطرح للمغشوش من طعام