- (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي ثُمَّ آتِي) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ (الْمَسْجِدَ فَأَجِدُ الْإِمَامَ يُصَلِّي أَفَأُصَلِّي مَعَهُ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: نَعَمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَيُّهُمَا صَلَاتِي؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: أَوَأَنْتَ تَجْعَلُهُمَا؟ إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ) فَأَجَابَ سَعِيدٌ سَائِلَهُ بِمِثْلِ جَوَابِ ابْنِ عُمَرَ لِسَائِلِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْأُولَى فَرْضٌ وَالثَّانِيَةَ نَفْلٌ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ رَفْضِ الصَّلَاةِ بَعْدَ تَمَامِهَا، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تُرْتَفَضُ فَالْأُولَى فَرْضُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: تُرْتَفَضُ جَازَ أَنْ يُقَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا يَؤُمُّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الْأُولَى فَرْضُهُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاخْتَارَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ فَرْضَهُ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةٌ " أَيْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الْآيَةُ 79) أَيْ زَائِدَةٌ فِي فَرَائِضِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَؤُمَّ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا صَلَاتَهُ حَقِيقَةً فَاحْتِيطَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا.