إنما هي أعمالكم أحصيها لكم, ثم أوفيكم إياها".
وهؤلاء الطائفتان متقابلتان أشد التقابل، وبينهما أعظم التباين، فالجبرية لم تجعل الأعمال ارتباطًا بالجزاء البتة، والقدرية جعلت ذلك بمحض الأعمال وثمنًا لها, والطائفتان جائرتان منحرفتان عن الصراط المستقيم الذي فطر الله عليه عباده، وجاءت به رسله، ونزلت به كتبه، وهو: أنَّ الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب والعقاب، مقتضيات لهما كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، وأنَّ الأعمال الصالحة من توفيق الله تعالى ومنته, وصدقته على عبده أن أعانه عليها ووفقه لها، وخلق فيه إرادتها والقدرة عليها، وحببها إليه وزينها في قلبه، وكرّه إليه أضدادها، ومع هذا فليست ثمنًا لجزائه وثوابه، بل غايتها أن تكون شكرًا له تعالى إن قبلها سبحانه، ولهذا نفى -صلى الله عليه وسلم- دخول الجنة بالعمل ردًّا على القدرية القائلين بأن الجزاء بمحض الأعمال وثمنًا لها، وأثبت -سبحانه وتعالى- دخول الجنة بالعمل ردًّا على الجبرية