فهو من حلاوة ذلك الخطاب، والأعضاء كلها ناطقة بذكره، مستطيبة لاسمه، فالسماع من أكبر مصايد النفوس، وإذا اقترن بألحانه المناسبة، وكان الشعر متضمنًا لذكر المحبوب الحق، برز الكامن وذاعت الأسرار, سيما في أرباب البدايات.
وقد شوهد تأثير السماع حتى في الحيوانات الغير الناطقة من الطيور والبهائم, فقد شوهد تدلي الطيور من الأغصان على أولي النغمات الفائقة والألحان الرائقة، وهذا الجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثيرًا يستخفّ معه الأحمال الثقيلة، ويستقصر لقوة نشاطه في سماعه المسافة الطويلة، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه، فتراه إذا طالت عليه البوادي، وأعياه الإعياء تحت الحِمل, إذا سمع منادي الحداء يمد عنقه, ويصغى سمعه إلى الحادي، ويسرع في سيره، وربما أتلف نفسه في شدة السير وثقل الحمل، وهو لا يشعر بذلك لنشاطه.
وقد حكي مما ذكره في "الإحياء" عن أبي بكر الدينوري: أن عبدًا أسود قتل جمالًا كثيرة بطيب نغمته إذا حداها، وكانت محملة أحمالًا ثقيلة، فقطعت مسيرة ثلاثة أيام في ليلة واحدة، وأنه حدا على جمل غيرها بحضرته، فهام الجمل