طلعته، وهجروا بلادهم وأوطانهم، وجفوا قومهم وعشائرهم في محبته، وبذلوا مهجهم وأرواحهم في نصرته، ونصبوا وجوههم لوقع السيوف في إعزاز كلمته، بلا دنيا بسطها لهم، ولا أموال أفاضها عليهم، ولا غرض في العاجل أطمعهم في نيله يحوونه، أو ملك أو شرف في الدنيا يحوزونه، بل كان من شأنه -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل الغني فقيرًا، والشريف أسوة الوضيع، فهل يلتئم مثل هذه الأمور، أو يتفق مجموعها لأحد هذا سبيله، من قِبَل الاختيار العقلي والتدبير الفكري، لا والذي بعثه بالحق، وسخر له هذه الأمور، ما يرتاب عاقل في شيء من ذلك، وإنما هو أمر إلهي، وشيء غالب سماوي، ناقض للعادات، يعجز عن بلوغه قوى البشر، ولا يقدر عليه إلا من له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.