مع كثرة عَددهم وعُددهم وقوة شوكتهم، ليطأ رءوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخل عليه الصلاة والسلام واضعا رأسه منحنيا على مركوبه تواضعا لربه، وخضوعا لعظمته أن أحل له بلده، ولم يحله لأحد قبله ولا لأحد بعده، وليبين سبحانه لمن قال: لن نغلب اليوم من قلة، أن النصر إنما هو من عند الله تعالى، وأنه من ينصره فلا غالب له ومن يخذله فلا ناصر له، وأنه سبحانه هو الذي تولى نصر رسوله ودينه، لا كثرتكم التي أعجبتم بها، فإنه لم تغن عنكم شيئا فوليتم مدبرين، فلما انكسرت قلوبهم أرسلت خلع الجبر مع بريد أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها. وقد اقتضت حكمته تعالى: أن خلع النصر وجوائزه إنما تفاض على أهل الانكسار، قال الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 5] .