في الشاهد متصفاً بالصفات إلا ما هو جسم. قيل لك: ولا تجد في الشاهد ما هو مسمى بأنه حي عليم قدير إلا ما هو جسم، فإن نفيت ما نفيت لكونك لم تجده في الشاهد إلا لجسم فانفِ الأسماء، بل وكل شيء؛ لأنك لا تجده في الشاهد إلا لجسم.

فكا ما يحتج به من نفى الصفات، يحتج به نافي الأسماء الحسنى، فما كان جواباً لذلك كان جواباً لمثبتي الصفات.

وإن كان المخاطب من الغلاة، نفاة الأسماء والصفات، وقال: لا أقول هو موجود ولا حي ولا عليم ولا قدير، بل هذه الأسماء لمخلوقاته، أو هي مجاز، لأن إثبات ذلك يستلزم التشبيه بالموجود الحي العليم القدير.

قيل له: وكذلك إذا قلت: ليس بموجود ولا حي ولا عليم ولا قدير، كان ذلك تشبيهاً بالمعدومات، وذلك أقبح من التشبيه بالموجودات.

فإن قال: أنا أنفي النفي والإثبات.

قيل له: فيلزمك التشبيه بما اجتمع فيه النقيضان من الممتنعات، فإنه يمتنع أن يكون الشيء موجوداً معدوماً، أو لا موجوداً ولا معدوماً، ويمتنع أن يوصف باجتماع الوجود والعدم، والحياة والموت، والعلم والجهل، أو يُوصف بنفي الوجود والعدم، ونفي الحياة والموت، ونفي العلم والجهل.

فإن قلت: إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلاً لهما وهذا يتقابلان تقابل العدم والمَلَكة، لا تقابل السلب والإيجاب، فإن الجدار لا يقال له: أعمى ولا بصير، ولا حي ولا ميت، إذ ليس بمقابل لهما.

قيل لك: أولا: هذا لا يصح في الوجود والعدم، فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب، باتفاق العقلاء، فيلزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر.

وأما ما ذكرته من الحياة والموت، والعلم والجهل، فهذا اصطلاح اصطلحت عليه المتفلسفة المشاؤون والاصطلاحات اللفظية ليست دليلاً على نفي الحقائق العقلية، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ*أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 2.ـ21] ، فسمى الله الجماد ميتاً، وهذا مشهور في لغة العرب وغيرهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015