شرح الرساله (صفحة 534)

وقد أكثر المخالفون التشنيع على أصحابنا في ذلك بتقويلهم ما لا يقولون من أنه لا يقبل الخبر إلا إذا صحبه على أهل المدينة، ورووا أخبارًا لم يصحبها عمل أهل المدينة، ولا كان عندهم علم بأحكامهم حتى رجعوا إليها من رجوع عمر في الجزية إلى خبر عبد الرحمن بن عوف، وفي توريث المرأة من دية زوجها إلى حديث الضحاك بن سفيان وغيره.

وكل هذا تقويل لنا غير قولنا، وإنما مذهبنا أن الخبر إذا روى لم يخل حاله من عمل أهل المدينة من أحد ثلاثة أمور:

إما أن يكون عملهم مطابقًا له؛ فهذا يؤكد العمل به والأخذ بموجبه. أو أن يكون عملهم بخلافه؛ فهو الذي يقول: إن عملهم أولى منه، وأن الخبر يجب أن يترك له؛ ويريد بذلك العمل المنقول.

أو أن لا يكون عندهم عمل به ولا يخالفه في المسألة لا يتصور إلا على هذا الوجه.

فأما أن نقول: لا يقبل الخبر حتى يصحبه العمل فمعاذ الله، وليس إذا قلنا أن العمل أولى منه متى كان بخلافه فوجب أن نكون قد قلنا: إنه لا يقبل حتى يصحبه العمل؛ فبان بذلك غلطهم علينا فيما يضيفونه إلينا.

وهذا الذي يذهب إليه مالك وأصحابه من ترك الخبر للعمل المنقول ليس بمذهب انفردوا به؛ بل هو مذهب أكابر التابعين؛ قال أبو الزناد في خبر وجد العمل بخلافه ألف عن ألف أحب إلي من واحد عن واحد.

وقال غيره: لو رأيتهم يتوضئون إلى الكوعين وأنا أقرأ إلى المرفقين لتوضأت إلى الكوعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015