يجوز أن يكون تعذر إباحة الإفطار، أو أفطر ناسيا، أو ظن أن عليه صوما ولم يكن عليه. وحمل الخبر على هذا أيضا أولى؛ لأنه يزول معه حمل فعله على الوجه المكروه؛ لأنه لا خلاف أن قطع الصوم اختيارا مع القدرة على إتمامه مكروه، وأن إتمامه إما واجب- على ما نقوله- أو مندوب- على ما يقوله من خالفنا. فأما أن يكون فعله كتركه فليس بقول لأحد.
وما رووه من أنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل على نسائه فيطلب الطعام، فإذا قيل له: لا فقال: "إني صائم" فلا حجة فيها؛ لأن طلب الطعام ينقسم إلى وجوه: منها الأكل، ومنها طلب العلم بحصوله أو عدمه لتسكن نفسه إلى ذلك. فليس لهم حمله على أحد الأمرين إلا ولنا حمله على الآخر.
فإن قالوا: الظاهر من أمر من يطلب الطعام أنه إنما يطلبه للأكل.
قلنا: ليس هذا ظاهر الطلب؛ لأن ما ذكرناه أيضا في الاحتمال والإمكان مثله من غير ترجيح، ولا مزية لأحدهما على الآخر.
على أنا لو سلمنا هذا لكان في الحديث ما يمنع حمله عليه؛ وهو قوله لما أخبر بأن ليس طعام: "إني صائم" أو "إني كنت صائما" على أنه لم يطلبه للأكل؛ لأن الصائم إنما يطلب الطعام لغرض غير الأكل. وهذا أولى مما ذكروه.
وما رووه من قوله صلى الله عليه وسلم: "الصائم المتطوع أمير نفسه؛ إن شاء صام وإن شاء أفطر" فاستذلالهم به لا يتم إلا بحمله على ضرب من المجاز.
فنحن أيضا نقابلهم بمثله؛ وذلك أن حقيقة اسم الصائم لمن هو في الحال صائم.
وحقيقة قوله (إن شاء صام) لمن هو في الحال مفطر أنه لا يقال لمن هو