تقسيم الذبح إلى ذبح توحيد وذبح شركي

الذبح ثبت بالشرع أنه عبادة، فصرفه لله توحيد، وصرفه لغير الله شرك، وبهذا يكون الذبح على أقسام: ذبح توحيدي، وذبح يقع شركاً، والقسم الوسط: ذبح يكون مباحاً.

فأما الذبح الذي يقع توحيداً: فهو الذبح الذي يهل به صاحبه لله جل في علاه، كأن يتقرب بالبدنة في التمتع، أو يتقرب بالبدنة في وليمة العرس، وهذه الأخيرة من الممكن أن تتقرب بها لله جل وعلا، فما دام المرء يهل بها لله جل في علاه، ويبتغي بها وجه الله، فقد صرفها لله، ومن صرفها لله، فقد تقرب إلى الله بالتوحيد عملاً بأمر الله جل في علاه، قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2].

وأما الذي يقع شركاً فهو نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر، أي: أن الذبح يمكن أن يكون شركاً أكبر، ويمكن أن يكون شركاً أصغر، فيكون شركاً أكبر إذا أهل به لغير الله، كأن يذبح للبدوي، لصنم: كود وسواع ويغوث ونسر ويعوق، أو يذبح للقمر، أو يذبح للكواكب، أو يذبح للجن، وهذا متواتر موجود، فلا يحسبن أحد أن هذا الشرك ذهب بذهاب قوم نوح عليه السلام، بل هو واقع نعيشه الآن، فأنت ترى المصروعة يقرأ عليها دجال من الدجالين ثم يقول: لا بد أن تأتي بالديك الأحمر الذي ريشه فيه بياض أو فيه كذا وتذبحينه، وهذا الديك الذي سيذبح يذبح تقرباً للجن وهذا واقع مؤلم نعيشه، وهذا الذبح يكون شركاً أكبر، وإذا قلت: إنه يعذر بجهله، قلنا: نعم، يعذر بجهله، لكن هذا من الشرك الأكبر، فالفعل شرك، والفاعل ليس بمشرك حتى تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهة، فإن أصر على ذلك وتقرب إلى الجن بهذه القرابين، فهو كافر قد خرج من الملة، ومآله النار خالداً مخلداً فيها، فالذبح الشركي هو الذي يهل به صاحبه لغير الله، كمن يذبحون عند البدوي، وإذا سألتهم عن ذلك قالوا: البدوي يقبل هذه الذبائح، وهذه كثيرة في طنطة وغيرها، بل وتراها الآن موجودة عند قبر أبي العباس، وأخفهم ضرراً من يقول: أنا أذبح لله، لكن أذبح هنا عند القبر؛ لأنني أطعم المساكين، وأيضاً هذه قربة؛ ولعل الله جل وعلا أن يتقبل منا هذا العمل ونحن بقرب هذا الولي؛ لأن القرب من الأولياء صلاح وبركة، والأعمال يتقبلها الله بالقرب من الأولياء، فأخفهم ضرراً الذي يقع في الشرك الأصغر كما سنبينه.

فالشرك الأكبر: هو أن يهل به لغير الله جل في علاه، فيتقرب تقرباً محضاً لغير الله، لجن أو لولي أو لنبي أو لملك مقرب، فهذا هو الشرك الأكبر الذي يخرج به صاحبه من الملة.

وأما الشرك الأصغر فله صور كثيرة، ومن هذه الصور: أن يذبح لله طعمة للمساكين، وقربة لله عند قبور الأولياء، فهذه صورة من صور الشرك الأصغر؛ لأنه من باب الوسائل، والوسائل لها أحكام المقاصد، وهو وسيلة للشرك الأكبر؛ لأنه عندما يذبح عند القبر يعتقد في قلبه أنه يعظم المقبور، لكن لم يذبح تعظيماً له، ولكنه يقول: هذه القربة سريعة التقبل عند الله بالذبح عند الولي، فهو يعتقد بأن الله يقبل منه هذه القربات ولا يردها عليه إن كانت بقرب الولي، فهذا فيه نوع من التعظيم في القلب للولي، ومن الممكن أن يستدرجه الشيطان بعد ذلك إلى أن يعظم الولي، فيذبح له من دون الله جل في علاه، فصارت وسيلة لأن يذبح له من دون الله جل في علاه، فهو لم يذبح له، لكنه عندما عظمه في قبره، وعلم أن له مكانة عند ربه، وأن الله لا يرد عمله الصالح، فإنه بعد ذلك يكون هذا العمل وسيلة لأن يذبحه للمقبور لا لله جل في علاه، وذلك عندما يطمس العلم، ويبعد الناس عن أهل العلم، فيتوافدون إلى القبور ويقولون: نذبح لهم، لأنهم يتحكمون في هذه الدنيا، وهذا الذي حدث مع أهل الصوفية، وذلك أن أهل الصوفية عظموا الأولياء، فارتقوا بهم إلى منزلة فوق منزلة العباد، وبعدما ارتقوا بهم إلى هذه المنزلة اعتقدوا فيهم ما يعتقد إلا في الله جل في علاه، فقال قائلهم: إن الولي له قوة أعطاه الله إياها -حتى يكون شركاً صريحاً- فقد أعطاه الله قوة لإحياء الجنين في بطن الأم، وأعطاه الله قوة لمغفرة الذنوب، أو لإعانة أو لإغاثة الملهوف، فهذه تعتبر وسيلة للاعتقاد فيه ما لا يعتقد في الله جل في علاه، وقد قعد شيخ الإسلام ابن تيمية قاعدة تقول: من اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله فهو منهم، أي: فهو مشرك؛ لأنه أنزل المخلوق منزلة الخالق، وكل وسيلة يمكن أن تجر الإنسان إلى أن يعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله فهي وسيلة محرمة؛ لأنها وسيلة إلى الشرك الأكبر، فتمنع لأنها وسيلة إلى الشرك الأكبر.

ومن الصور أيضاً التي يكون فيها الذبح شركاً أصغر: الذبح عند بناء البيوت، والذبح عند استجلاب التجارات الرابحة.

ومن الأدلة الواضحة الجلية على تحريم الذبح عند الولي أيضاً: ذاك الرجل الذي نذر أن يذبح إبلاً ببوانة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: (أكان فيه صنم يعبد؟) أي: يذبح له من دون الله، ثم سأله سؤالاً آخر فقال: (أكان فيه عيد من أعياد المشركين؟)، فحسم النبي صلى الله عليه وسلم المادة؛ لأن هذه وسيلة لأن يتشبه بفعل المشركين.

أيضاً من هذه الصور الشركية: الذبح عند استجلاب سيارة جديدة، أو عند بناء البيت، أو عند الربح في التجارة فرحاً وسروراً، ظناً من الذابح أنَّ هذا الذبح سيمنع عنه الحسد، فترى كثيراً من الناس أو من العوام إذا بنى بناية، أو إذا اشترى سيارة جديدة فخمة، أو اشترى بيتاً يذبح على باب البيت، أو يذبح على باب البناية، أو يذبح أمام السيارة ويقول: ائتوني بالفقراء والمساكين، ولا بد أن يكونوا من الصالحين، لأنه لا بد أن يأكل طعامي التقي المؤمن الصالح، فهي قربة لله، فقال: باسم الله، فذبح لله، وجعلها طعمة للمساكين وقربة لله، ومع ذلك فهو من الشرك الأصغر؛ إذا ذبح من أجل دفع العين، وهذا الشرك ليس بشرك أكبر بل هو شرك أصغر؛ لأنه اتخذ سبباً لم يشأه الله سبباً، والدليل على ذلك: قول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]، فنقول: هو ذبح، وذبحه لله ليفر من الشرك الأصغر، واعتقد أنه قربة لله، ففر من الشرك الأكبر لكنه اتخذه سبباً من الأسباب التي يدفع بها العين.

إذاً: الشرك هنا شركان: شرك أكبر، وشرك أصغر.

فأما الشرك الأكبر إذا أهل به لغير الله جل في علاه، كأن يكون قربها إلى ولي، قربها إلى نبي، قربها إلى ملك، قربها لقمر، لشمس لنجوم لجبال لأشجار لأحجار، فكل ذلك ذبح لغير الله، وإذا كانوا يذبحون لله ولغير الله، فهذا شرك أكبر أيضاً، أي: أن الله جل وعلا لا يقبل الشريك، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك)، وهذا هو فعل الجاهلية، يذبحون ويقولون كما قال تعالى: {هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ} [الأنعام:136] فهؤلاء أفضل من مشركي هذا الزمن، فمشركو العرب كانوا يذبحون لله، ويشركون معه غيره، أما مشركو اليوم فهم يذبحون للبدوي محضاً، يذبحون للجيلاني محضاً، ليس لله فيه ثمة ناقة ولا جمل ولا جزء واحد، فنحن نقول: بهذا الفعل صار شركاً أكبر، ولو أشرك مع الله حل في علاه.

وأما الشرك الأصغر أن يتخذه وسيلة للشرك الأكبر؛ فالذي يكون متعلقاً بالذبح عند قبر الولي، قربة لله، فهذا شرك أكبر؛ لأنه يصير بذلك معتقداً في الولي ما لا يعتقد إلا في الله جل في علاه، فبعد أن ينطمس العلم فيذبح للولي دون أن يذبح لله جل في علاه، فإن كانت وسيلة فالوسائل لها أحكام المقاصد.

أيضاً صورة أخرى من الشرك الأصغر: أن يذبح دفعاً للعين أو شكراً لله جل في علاه، ومع الشكر لله يقول هذا سبب لدفع العين فهذا أيضاً من الشرك الأصغر.

أما القسم الثالث: فهو الذبح المباح، أي: يجوز للإنسان أن يذبح فيه، كإكرام الضيف، وهذا يؤجر عليه إذا نوى به لله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، ولذلك قال الله مادحاً إبراهيم عندما جاءه الأضياف: {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الحجر:62]، {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26]، وفي الآية الأخرى: {حَنِيذٍ} [هود:69]، فأتى به ليقربه إليهم ليأكلوا، فهذا من باب إكرام الضيف، ومن الذبح أو إراقة الدماء المباحة التي يرتقي بها المرء إلى درجات في التوحيد، إن تقرب بها أو نوى بها ابتغاء وجه الله، وإن فعلها مكرمة أو تكرمة، أو لأنها من الشهامات، أو لأنها من المروءات، فهذه مباحة ولا شيء عليه، ولعل الله يخلف عليه هذه النفقة، لأن الله وكل ملكاً بأن يقول ليل نهار: (اللهم أعط كل منفق خلفاً وأعط كل ممسك تلفاً)، فهذا الذبح المباح قد يرتقي به المرء إلى رضا الله جل في علاه، ومن الممكن أن ينقلب المباح إلى الشرك، بل إلى الشرك الأكبر لا الشرك الأصغر، كأن يأتي رئيساً أو أميراً، فيريد أن يكرمه، فيذبح عنده الذبائح ليكرمه بها، وهذه الذبائح تكون مباحة إن دعاه إليها فأكل منها وأكل الحاضرون، أما إن ذبح هذه الذبائح عند قدومه، ثم سافر هذا الأمير بعد ساعة، أو بعد وقت معين ولم يأكل من هذه الذبائح، فأخذ هذا الرجل الذبائح فألقاها في النفايات فهذا شرك أكبر؛ لأنه انقلب من المباح إلى الشرك الأكبر؛ لأنه ذبح تعظيماً لهذا الأمير وتعظيماً لهذا الوزير، فهو ما يريد الإكرام، بل يريد التعظيم بالذبح لهذا الوزير، فيكون ذلك شركاً أكبر، إذ الذبح تعظيماً لا يكون إلا لله، قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2]، أي: وانحر تعظيماً وتوقيراً لربك جل في علاه.

فهذه هي الأقسام الثلاثة في الذبح، ومفادها كلها: أن الذبح عبادة ثبت ذلك بالشرع، فصرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك، وهي أقسام ثلاثة: توحيد محض، وشرك محض، والشرك الم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015