الصحيح والراجح هو: القول الأول، وهو: أنه يجوز أخذ الأجرة على الرقية؛ لصريح الدلالة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعمري فإن من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق) فمن رقى رقية حق: بشرع الله، أو بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، أو بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، فهذا له الحق في أن يأخذ الأجرة، حتى وإن قيدها أو حددها ظاهر هذا الحديث وظاهر فعل أبي سعيد مع إقرار النبي صلى الله عليه وسلم له.
وأما الذين خالفوا في ذلك فقالوا: لا يجوز أخذ الأجرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) فنقول: نعم، هذا عام مخصوص بالرقية، فهذا نفع يجوز فيه أخذ الأجرة؛ لأن الأجير يمكن أن ينفع المستأجر ويأخذ أجرته، والوكيل ينفع الذي وكله بقضاء حوائجه ويأخذ أجرته وهذا من نفع الآخرين أيضاً، أي: أنه ينزل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل).
فهو عام مخصوص بهذه الأدلة، فالرقية يجوز أخذ الأجرة عليها.
وأما استدلالهم بالنظر فالرد عليه هو نفس الرد على الأثر.
وأما استدلالهم بالقاعدة الكلية: أن العبادات لا يجوز أخذ الأجر عليها.
فنقول: إلا في حالة واحدة، أو إلا ما دل عليه الدليل، وقد دل الدليل على جواز أخذ الأجرة على الرقية، وهذه المسألة تحذو حذو مسألة أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن، ولكن هذه أوسع من أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن؛ لأن تحفيظ القرآن الأدلة فيه على المنع أقوى من هذه بكثير.
إذاً: يجوز أخذ الأجرة على الرقية، وأما التأصيل العام بأنها عبادة، والعبادة لا يؤخذ عليها الأجرة، فنقول: إلا ما دل عليه الدليل، وقد دل الدليل على جواز أخذ الأجرة على الرقية.