التبرك الممنوع وبيان رده

نجد بعض الناس من يتبرك عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويصلي في الغرفة التي هو مدفون فيها، وهذا لا يجوز؛ لأن التبرك المشروع يكون بالصلاة في المسجد النبوي، وهذا كثيراً ما يحدث من النساء، وذلك عندما يدخلن فيتبركن بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا تبرك ممنوع، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.

ومن التبرك الممنوع: التبرك بالأوقات والأزمنة، وأصحاب هذا التبرك يكونون خاملين في ذكر الله، وفي عبادة الله جل في علاه، إلا في أوقات معينة، وهذه الأوقات والأزمنة يلتمسون فيها البركة، مثل: زمن المولد النبوي، فتراهم يجتمعون ويحتفلون ويتكلمون عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بالمدائح والقصائد والأشعار، وإذا سألتهم قالوا: هذا مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأعظم بركة على الدنيا هي بركة يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، فيجتهدون بالتصدق والزكوات وإظهار الفرحة والسرور والعبادات في هذه الأوقات.

ومن تلك الأزمنة أيضاً: يوم الإسراء والمعراج، فترى الفضائيات تأتيك بالاحتفالات الباهظة الثمن التي ينفق عليها نفقات عالية جداً، ويتبركون بهذه الأوقات ويتعبدون بها لله جل في علاه.

ومن ذلك: ليلة النصف من شعبان، وإن كان الحديث الذي ورد في فضلها ضعيفاً، لكن عضد بروايات أخرى، وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الله يطلع على عباده فيغفر لكل العباد ما عدا المشاحن والمشرك، ويقولون: هذا يوم مغفرة، ويوم بركة -وحقاً أنه يوم بركة- فيتقصدون فيه عبادة معينة.

ومن أنواع التبرك الممنوع: التبرك بالتراب أو بتراب القبور، أو الاستشفاء بالقبور، أو التبرك بالصلاة عند المقبور، وذلك مثل ذهاب بعض الأشخاص إلى قبر أبي العباس، أو البدوي، أو قبر أبي الدرداء وغيرها من القبور.

ومن قال: إن التبركات هذه زيادة خير، فعليهم أن يأتونا بالدليل، ولا دليل لهم، بل قد جاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه، فهو باطل).

فقام قائمهم وقال: نرد عليكم هذا الدليل، وذلك أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد فعلوا ذلك، ومنهم: أبو بسرة الفغاري رضي الله عنه وأرضاه، فقد ذهب إلى جبل الطور ليصلي هناك؛ تبركاً بالمكان، وكثير من التابعين كانوا يذهبون إلى مسجد بين مكة والمدينة يصلون فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيه.

لكن نقول: إن الرد عليكم من وجهين: الوجه الأول: أن أكابر الصحابة قد أنكروا على من فعل ذلك، فـ أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه قابل أبا بسرة الغفاري وهو راجع من الطور، فقال له: إلى أين ذهبت؟ فقال: ذهبت إلى جبل الطور أصلي هناك، قال: أما إني لو أدركتك ما فعلت ذلك، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، وكأنه يقول: شددت الرحل طلباً للبركة بالصلاة في جبل الطور! والنبي صلى الله عليه وسلم قد منع من ذلك، وحرمه تصريحاً بقوله: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الأقصى، والمسجد النبوي، والمسجد الحرام).

وعمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه عندما خاطب الحجر قائلاً: لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك؛ إنك حجر لا تنفع ولا تضر، قال ذلك حفاظاً على التوحيد، وسداً للذريعة.

كذلك لما أخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بالذين يصلون تحت شجرة الرضوان ويتقصدون هذا المكان، فذهب وقطع الشجرة سداً للذريعة، وهذا فيه دلالة واضحة جداً على تحريم التبرك عند شجرة الرضوان.

وهناك دليل آخر وهو: حديث أبي واقد الليثي في مسند أحمد بسند صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مروا على أقوام يعلقون سيوفهم على شجرة ويتبركون بذلك، أو يتعبدون للشجرة، فقالوا: (يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! لقد قلتم مثلما قال أصحاب موسى لموسى، قالوا: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138])، إنها السنن، لتركبن سنن الذين من قبلكم.

والنبي صلى الله عليه وسلم عذرهم بجهلهم ولم يكفرهم، وهذه الفائدة الكبرى التي نستنبطها من هذا الحديث: وهو أنه من أتى بكفر سواء كفراً أكبر أو كفراً أصغر لا يكفر، أي: لا ينزل عليه الحكم عيناً، إلا إذا أقيمت الحجة وأزيلت الشبهة.

وأيضاً من التبرك الممنوع: التبرك والتمسح بالكعبة.

وكذلك التبرك: بمقام إبراهيم.

وكذلك التبرك: بالركن اليماني، أو بأي ركن من أركان الكعبة.

كله من التبرك الممنوع.

وكذلك التبرك: بالتمسح بالحجر الأسود، والجائز هو تقبيله فقط، وهذا التقبيل ليس طلباً للبركة، وإنما استناناً بسنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.

فقد جاء أمير المؤمنين وكاتب الوحي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه، جاء حاجاً، فتلمس البركة بالتمسح في كل جوانب الكعبة، ومسح على الحجر الأسود والركن اليماني والشمالي والعراقي وغيره، وقال: ليس من الكعبة شيئاً مهجوراً.

فخالفه ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه فقال له: يا معاوية! لا تفعل، والله ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فعلك.

فقال: صدقت يا أبا العباس! أو قال صدقت يا عبد الله بن عباس! وكف عن ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015