ذهب أهل السنة والجماعة إلى أن التوسل بدعاء الأموات شرك، والدليل على ذلك أن عمر استسقى بدعاء العباس ولم يستسق بالميت، وهذا فيه دلالة على عدم الجواز، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
إذاً: فالتوسل بدعاء الأموات لا يصح لأدلة منها: أنه لو كان جائزاً لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ لأن أبا ذر نظر إلى طائر يطير في السماء فقال: هذا الطائر يقلب جناحيه، ولنا في تقليب الجناح علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا علمنا إياه، فلو كان التوسل بدعاء الأموات جائزاً لعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، فلما لم يعلمنا ذلك ولم يرد أثر ولا نظر ولا قياس ولا فعل من النبي صلى الله عليه وسلم دل ذلك على أنه لا يصح، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم بديلاً عن التوسل بدعاء الأموات وهو التوسل بالأعمال الصالحة، وبدعاء الأحياء، ولم يرد عنه التوسل بدعاء الأموات، ولما بين لنا جواز التوسل بدعاء الأحياء، وسكت عن دعاء الأموات دل على أنه غير مشروع.
وهذا هو الدليل على عدم جواز طلب الدعاء من الأموات، فإن لم يستطيعوا الجواب عليه فلابد من الرد على أدلتهم التي استدلوا بها على جواز ذلك، فقد قالوا بجواز دعاء الأموات لأمرين: الأمر الأول: أن لهم جاهاً عند الله جل في علاه.
الأمر الثاني: أنهم يسمعون من يسألهم.
والجواب على الأمر الأول هو: أننا نقر على أن للأموات الصالحين وجاهة عند الله، وهذه الوجاهة لا تنفعكم وإنما تنفعهم هم، فتوسلكم بوجاهتهم عند الله توسل بأجنبي.
وأما الجواب على الأمر الثاني فهو: أن الأموات لا يسمعون، قال الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]، فنفى الله جل وعلا أن أهل القبور يسمعون، وقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} [النمل:80]، فنفى سبحانه سماع الموتى، فإن قالوا: أنتم نفيتم ونحن اثبتنا النفي، والقاعدة تقول: إن المثبت يقدم على النافي، فنحن أثبتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يسمعون قرع النعال) قلنا: اتفقنا معكم على هذا السماع، لكن هذا السماع سماع خاص وليس بعام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: يسمعون أحوالكم وكلامكم، وإنما قال: (يسمعون قرع نعالكم)، وقال: يسمعون السلام فقط، فهذا دليل خاص، ودليلنا عام، فلا نحمل العام على الخاص، وإنما يبقى العام على عمومه ويعمل به في عمومه، إلا في حالة واحدة خاصة، والأصل: أن الموتى لا يسمعون بدليل قول الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]، وقول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل:80].
فالموتى لا يسمعون إلا في حالة واحدة، بينها وأظهرها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي: قرع النعال عند الدفن، أو سماع السلام، لكنكم تذهبون وتسألونهم أن يدعوا لكم، وهم لا يسمعون.
وإن سلمنا جدلاً أن الموتى يسمعون كلامكم، فأنتم تذهبون إليهم وتقولون: ادعوا الله لنا، وتذهبون للبدوي وتقولون: ادع الله أن يغفر لنا، فإن ما يقوم به الموتى بزعمكم هو عمل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فبطلت مع ذلك حجتكم.
بقي أمر واحد وهو: قياسهم دعاء الأموات على دعاء الأحياء، واستدلالهم بقول: عكاشة: ادع الله لي يا رسول الله! أن يجعلني منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت منهم) وقياسهم دعاء النبي بعد مماته على دعائه بعد حياته؛ لقول الله {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء:64].
فيجاب عليه بالآتي: أولاً: هذا القياس قياس فاسد الإعتبار؛ لأنه صادم النصوص.
ثانياً: هذا القياس قياس مع الفارق، والفارق هو: أن الحياة البرزخية لا تقاس على الحياة الدنيوية، والله جل وعلا يبين أنه لا يستوي الأحياء والأموات عموماً، وهذه الحياة البرزخية حياة غيبية لا نعلمها، وأنتم قستم ما علمتم على ما لم تعلموا، فالحياة البرزخية تخالف الحياة الدنيوية، فأصبح قياسكم قياساً مع الفارق، وهو فاسد الاعتبار لا يصح.
فينبغي على من سمع هذه الأدلة ألا يقول: بالتوسل بدعاء الأموات، ولا بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، بل التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وبذاته تعالى وأفعاله.