والحكمة من قسم الخالق بالمخلوق مع أنه حرم الإقسام به كما سنبينه: أن قسم الله بالمخلوق فيه الدلالة على عظمة المخلوق، وعظمته تدل على عظمة الخالق، فكل كمال في المخلوق فالله أحق به، وكل عظمة في المخلوق فقد دلت على عظمة الذي خلق.
فإذاً: الحكمة من أن يقسم الله بمخلوقاته: أن في هذه المخلوقات دلائل باهرة على ربوبية الله وعظمته سبحانه جل في علاه، قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق:1 - 3].
وقال الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} [البروج:1 - 2].
وقال جل في علاه: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات:7]، وقال جل في علاه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل:1 - 3].
و (ما) في الآية الأخيرة اسم موصول بمعنى الذي، أي: والذي خلق الذكر والأنثى، وقد تكون مصدرية، فيكون المعنى: وخلق الذكر والأنثى، أي: يبين الله أن خلق الإنسان خلق عظيم، ومن عظمة خلقه يقسم الله به.
فيكون القسم إن قلنا: إنها (موصولة) بالذات المقدسة، وإن قلنا: إنها (مصدرية) فيكون القسم بخلق الإنسان البديع، فالآية: والذي خلق الذكر والأنثى، فيها نوعين من القسم: نوع بالمخلوق، ونوع بالخالق.
ومما أقسم الله تعالى به: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم:1] وقوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس:1 - 3].
وقوله تعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:1 - 2]، وقوله جل في علاه: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس:7].
والقسم في هذه الآية الأخيرة إما أن تكون (ما) فيه (موصولة)، فيكون المعنى: والذي سواها، وهو الله جل وعلا ويكن هنا أن الله أقسم بذاته جل في علاه، وقد تكون (مصدرية) ويكون المعنى: وتسويتها، وفيه إشارة إلى عظمة تسوية النفس، ويكون قسم الله هنا بالمخلوق.
إذاً: يقسم الخالق بما شاء، بالمخلوقات، بذاته، بصفاته، وكذا أقسم الله بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك عندما قال: ((لَعَمْرُكَ))، أي: وحياتك يا رسول الله! وحياتك يا محمد! {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72].
فهذا القسم من الخالق جل في علاه يكون بما يشاء.