القاعدة التاسعة

التاسعة: وهي قاعدة أعم من الأولى وأقوى، وهي منبنية على حقيقة عقلية قاطعة، وإن كانت الأولى كذلك، لكن هذه أقوى وأطرد، وأيضاً تتضمن هذه القاعدة إبطال مذهب المخالف.

وهي محك النزاع بين السلف ومخالفيهم من نفاة الصفات، وهي: أن ثبوت أحد الوصفين المتقابلين يستلزم العلم بنفي الآخر، وأن نفي أحد المتقابلين يستلزم العلم بثبوت الآخر.

ومثالها: أن العلم باتصاف الله سبحانه وتعالى بالعلم يستلزم انتفاء الجهل، والمنفي هنا ليس هو محل خلاف بين المسلمين، فإذا أردت أن تبطل مذهب المخالف تستعملها على طريقة العكس: أن العلم بانتفاء أحد الوصفين المتقابلين يستلزم العلم ضرورة بثبوت الآخر، فتقول للمعتزلة: لما اتفقنا أن الله منزه عن الجهل لزم أن يكون موصوفاً بالعلم.

لما اتفقنا أن الله منزه عن العجز لزم أن يكون موصوفاً بصفة القدرة ..

وهلم جرا.

إذاً: العلم بثبوت أحد الوصفين المتقابلين يستلزم العلم بنفي الآخر، فهذه القاعدة لا يخالف فيها أحد، لكن المصنف يستعمل عكسها للإثبات، يستعمل عكسها، وهو أن العلم بنفي أحد الصفتين يستلزم العلم بثبوت الصفة الأخرى المقابلة، لأن القاعدة تقبل الانعكاس الاطرادي، فهو يستدل بأنه ما دام المخالف يسلم بأن العلم بثبوت الصفة يستلزم نفي ضدها فإن الفرض العقلي الضروري يلزم منه صحة العكس أيضاً؛ لأن القاعدة منبنية على عدم الجمع بين المتقابلين.

فمن قال: إن العلم بثبوث أحد الوصفين يستلزم نفي الوصف المقابل؛ لزمه بالضرورة العقلية القاطعة أن يسلم بأن نفي أحد الوصفين يستلزم العلم بثبوت الآخر المقابل، فإن صفة الكمال دائماً يقابلها ويضادها صفة النقص، فإذا علمنا تنزه الباري عن صفات النقص لزم أنه متصف بصفات الكمال.

فهذه القاعدة قاعدة اطرادية وهي مبنية على قبضة قوانين العقل، وهو قانون: عدم الجمع بين النقيضين، وهو المذكور في مثل قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] فإنهم خلق أنفسهم ممتنع، وخلقهم من غير شيء كذلك ممتنع، إذاً: لزم بالضرورة العقلية أن يكون الله هو الذي خلقهم.

وقد اهتم بقاعدة التقابل هذه شيخ الإسلام كثيراً، فقد أشار إليها في الرسالة التدمرية في القاعدة السابعة، وشرحها في كتبه شرحاً مطولاً، وهي محك الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015