قال المصنف رحمه الله: [بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
سئل شيخ الإسلام العالم الرباني تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ما قول السادة العلماء أئمة الدين في آيات الصفات، كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:11] إلى غير ذلك من آيات الصفات، وأحاديث الصفات كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن) وقوله: (يضع الجبار قدمه في النار) إلى غير ذلك؟ وما قالت العلماء فيه؟ وابسطوا القول في ذلك مأجورين إن شاء الله تعالى].
الملاحظ في السؤال أنه وقع على ما يتعلق بالصفات الفعلية كمسألة الاستواء على العرش، وكذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح: (إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن) لأن الصفات اللازمة -في الجملة- ليست محل إشكال عند الأشعرية.
[فأجاب رضي الله عنه: الحمد لله رب العالمين، قولنا فيها ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره].
هذه المقدمة هي مقدمة يحصل بها أن التدين في أصول الدين، بل وفي غيرها لا يصح إلا بما كان في كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وما أجمع عليه السلف، فهذه الأصول الثلاثة مجمع عليها.
أما في الفقه فإن ثمة بعض محال الاستدلال التي هي محال نزاع عند الفقهاء، كالقول في القياس؛ فإن جمهور الأئمة يعتبرونه وإن كانوا يختلفون في درجة اعتباره، وكالقول في حجية قول الصحابي والمصالح المرسلة والاستحسان وأمثال ذلك.
أما في مسائل أصول الدين فإن الاعتبار يكون بالكتاب والسنة والإجماع.
فإن جميع أصول الدين متحققة من جهة الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع، فلا يوجد أصل من أصول الدين لا يقع الاستدلال عليه إلا بالقرآن وحده، ولا يوجد أصل من أصول الدين لا يقع الاستدلال عليه إلا بالسنة وحدها، ولا يوجد أصل لا يقع الاستدلال عليه إلا بالإجماع وحده، بل كل أصل من أصول الدين عليه دلائل من الكتاب والسنة والإجماع.