[وأما القسمان الواقفان:
فقوم يقولون: يجوز أن يكون ظاهرها المراد اللائق بجلال الله، ويجوز ألا يكون المراد صفة الله ونحو ذلك ..
وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم].
يفصل المصنف هنا طريقة التفويض، فعلى طريقته هنا يُضاف إلى التفويض: من يعتقد انتفاء الصفة التي فوضها في نفس الأمر، لكنه يفوض اللفظ أو يفوض النص من حيث تعيين المراد، فلا يعين المراد بالنص.
والقسم الثاني -وهو المذكور في قوله: وأما القسمان الواقفان-: فهم الذين يجوزون الظاهر ويجوزون عدمه، أي: يجوزون ثبوت الصفة ويجوزون نفيها ولكنهم يفوضون.
والفرق بين القسم الثاني من التقسيم الثاني وبين هذا التقسيم يقال فيه: إن الأول مفوض للفظ نافٍ للمعنى، وهذا القسم هو المقصود بقوله: وقسم يقولون: الله أعلم بما أراد بها، لكن نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجية فهؤلاء مفوضة للفظ نافية للمعنى الظاهر منه، يعني: ينفون الصفة التي دل عليها النص، لكن تعيين المراد يقفون فيه.
والثاني يجوز كلا الأمرين، يعني: يجوز ثبوت الصفة ويجوز عدم ثبوتها، وهذا القسم هو المقصود بقوله: فقوم يقولون: يجوز أن يكون ظاهرها المراد اللائق بجلال الله، ويجوز ألا يكون المراد صفة الله ونحو ذلك
.
ثم قال: وقسم يمسكون عن هذا كله، ولا يزيدون على تلاوة القرآن ..
وهؤلاء لا يشتغلون بمسألة التجويز من أصلها، وهذا هو الفرق بينهم وبين القسم الذي قبلهم.
إذاً صار المفوضة ثلاثة أقسام:
الأول: وهم من يفوض اللفظ دون المعنى، بل يجزم بنفي المعنى ويفوض اللفظ عن تعيين المراد به.
وهو القسم المذكور في القسمين الذين ينفون الصفة في نفس الأمر.
الثاني: وهم الذين يفوضون اللفظ والمعنى، مع تجويز ثبوت الصفة وعدم ثبوتها.
الثالث: وهم الذين يفوضون اللفظ والمعنى، لكنهم لا يشتغلون بمسألة تجويز المتقابلين -أي: ثبوت الصفة وعدم ثبوتها-.
والقسم الأول في التفويض -وهو تفويض اللفظ ونفي المعنى- هو الذي يستعمله متكلمة الصفاتية فيما نفوه من الصفات حينما يقولون: إن طريقة السلف في هذه الصفات -أي: الصفات الفعلية التي اتفق متكلمة الصفاتية على نفيها، وأعني بمتكلمة الصفاتية الطوائف الثلاث في هذا المقام: الكلابية، الأشعرية، الماتريدية .. - هي التفويض.
ومقصودهم بهذا أنهم مفوضة للفظ مع نفي الصفة في نفس الأمر.
والقسم الثاني: وهو الذي اشتغل به كثير من الفقهاء ممن لم يعرف حقيقة مذهب المتكلمين ولا حقيقة مذهب السلف، فلم يتأثر تأثراً بيناً بأحد المذهبين.
والطريقة الثالثة: وقعت في كلام بعض أعيان الصوفية وغيرهم.
[وقوم يمسكون عن هذا كله ولا يزيدون على تلاوة القرآن وقراءة الحديث معرضين بقلوبهم وألسنتهم عن هذه التقديرات.].
يعني: لا يشتغلون بتجويز المتقابلين، فيفوضون اللفظ والمعنى تفويضاً مطلقاً؛ ولهذا كان أشدهم في التفويض القسم الثالث، وهم الذين يفوضون اللفظ والمعنى ولا يشتغلون بالتجويز بوجه ما.
[فهذه الأقسام الستة لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها].
لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها هذا هو النتيجة العلمية هنا، وليس المقصود: أن هذه الأقسام الستة هي عبارة عن ست طوائف منضبطة مطردة، بل إن بعض الفقهاء وبعض المتكلمين يستعملون أكثر من طريقة من هذه الطرق الست التي ذكرها المصنف، وإن كان بعض هذه الطرق اطرد قوم على تحقيقه والتزامه كاطراد المعتزلة -وبخاصة أئمة المعتزلة والجهمية- في مسألة التأويل، وكاطراد أئمة السلف على الإثبات اللائق بجلال الله.