[ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد، فلما قال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} [الحديد:4].
إلى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4] دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمن عالم بكم، وهذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته].
وهذا معنى قول السلف أنه معهم بعلمه؛ لأن هذا هو المناسب للسياق؛ ولهذا ابتدئت الآية بالعلم وختمت بالعلم، فهو معهم بعلمه.
وترى أن لفظ المعية هنا له إفادة خاصة، فالله سبحانه وتعالى مع خلقه مطلع عليهم، شهيد عليهم، مهيمن عليهم.
[وكذلك في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:7] إلى قوله: {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7] ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه في الغار: (لا تحزن إن الله معنا) كان هذا أيضاً حقاً على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع والنصر والتأييد].
أي: ليست معيةً علمية محضة، بل هي معية علمية ومعية نصر وتأييد؛ ولهذا كل معية خاصة تتضمن المعية العامة وزيادة: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] أي: معنا بعلمه ونصره وتأييده؛ ولهذا كانت مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، ولم تقع للمشركين، ولو كانت المعية معية علمية لكانت متحققة حتى مع المشركين.
وقوله: ودلت الحال أي: دل السياق والمورد.
[وكذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128].
وهذه تفارق المعية العامة، لأنها خصت بالمؤمنين، فدل على أن لها اختصاصاً بهم.
[وكذلك قوله لموسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46].
هذه معية خاصة؛ ولهذا قال سبحانه: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] ففي صفة السمع والبصر أطلق ولم يضف، أما في المعية فقال: معكما وذلك لأن السمع والرؤية كما أنه يدخل فيهما موسى وهارون كذلك يدخل فيهما فرعون ومن معه، لكن في المعية لا يدخل فرعون ومن معه، لأن هذه المعية هي معية النصر والتأييد، فتفصيل السياق القرآني يدل على هذا: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] ولم يقل سبحانه: أسمعكما وأراكما، بل قال: أسمع وأرى ليشمل هذا ما يقع من فرعون ومن معه كما يقع من موسى وهارون.