أثر استخدام الألفاظ المجملة

[وهؤلاء يظنون أنهم اتبعوا قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران:7] فإن وقف أكثر السلف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران:7] وهو وقف صحيح، ثم فرقوا بين معنى الكلام وتفسيره، وبين التأويل الذي انفرد الله تعالى بعلمه، وظنوا أن التأويل في كلام الله تعالى هو التأويل المذكور في كلام المتأخرين، وغلطوا في ذلك].

هذه قاعدة مهمة: وهي أن كثيراً من الغلط في هذا الباب موجبه الألفاظ المجملة، سواء كانت هذه الألفاظ مجملة من حيث الأصل أم مجملة من حيث الاستعمال، أي: استعمال المستعملين لها.

ومن أمثلة الإجمال من حيث الاستعمال: أن النفاة للعلو لما ذكروا العلوا نفوه بحجة تنزيه الله عن الجهة، وهذا اللفظ حادث لم يذكر لا في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام الصحابة إثباتاً ولا نفياً، فهذا الإجمال هو الذي أوقع الوهم فيه.

ولهذا الطريقة الفاضلة في هذا المقام أن يقال لمن نفى الجهة: أخبرنا عن العلو والفوقية، أو أخبرنا هل الله في السماء، أو هل هو بائن عن الخلق.

فتستخدم الألفاظ: إما القرآنية أو التي ليس فيها إجمال، مثل أنه بائن عن خلقه، فمن نفى الجهة يقال: أخبرنا هل تقول أن الله بذاته فوق العالم أو فوق السموات أو أنه بذاته فوق العرش أم لا؟

فإذا أجرى هذا على لفظ الجهة -أي: نفاهما معاً- فقد تحقق ظهور الغلط فيه.

المقصود: أن الألفاظ المجملة الحادثة هي من أخص موجبات الوهم والغلط.

ولفظ التأويل ليس لفظاً مجملاً من حيث الأصل ولا لفظاً حادثاً، فهو ليس حادثاً لأنه مذكور في الكتاب والسنة، وأما أنه ليس مجملاً من حيث الأصل لأن معناه من حيث الأصل مفصل، ولكن لاستعمال المستعملين له من المتكلمين وأمثالهم صار فيه الإجمال، حيث أحدثوا معنىً ثالثاً أضافوه للتأويل وسموه تأويلاً هو المستعمل عندهم في مقام الصفات، فإذا رأوا قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7] امتدحوا طريقة التأويل بأن الراسخين في العلم يعرفون التأويل، ويقصدون هنا بالتأويل: التأويل الذي اصطلحوا عليه.

وإذا أرادوا تصحيح طريقة التفويض وقفوا عند قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران:7] ولا شك أن هذا غلط من جهتين: من جهة أن التأويل المذكور في القرآن سواء وقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران:7] أو وقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7] ليس هو التأويل الذي اصطلح عليه أهل الكلام.

ومن وجه آخر: أن تصحيح الوقفين يستلزم أن يكون التأويل معناه متعدداً وليس واحداً؛ لأنك إن جعلت المعنى المقصود بالتأويل في السياق الواحد لزم أن تجعل الوقف على موضع واحد، ولهذا ترى أن أهل السنة صححوا الوقف في الموضعين، ولكنهم فسروا التأويل في موضع الوقف على قوله: إلا الله بغير التأويل الذي يقع عند الوقف على قوله: والراسخون في العلم.

أما على طريقة المتكلمين فليس لهم في تفسيره إلا معنىً واحد، وهو صرف الكلام عن ظاهره إلى مجازه، فإن وقفت على قوله: إلا الله أفسدت طريقة التأويل، وإن وقفت على قوله: والراسخون في العلم وصمت السلف الذين وقفوا على هذا بالجهل.

ولهذا هذه الآية لا تفيدهم شيئاً -أعني: أهل الكلام الذين فسروا التأويل بأنه صرف اللفظ عن ظاهره إلى المجاز ..

إلخ-.

وهذا دونه خرط القتاد من جهات كثيرة، وهذه الجهات معروفة، وهو مبني على ثبوت المجاز وقد تقدم الطعن فيه، ومبني على مسائل كثيرة، ولهذا هذا التأويل لا يفيدهم شيئاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015