حَيْثُ إنَّ الْمُخَصِّصَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُخَصِّصَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَامِّ؛ فَلِهَذَا الشَّبَهِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُبَّائِيُّ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْمُسْتَثْنَى وَإِخْرَاجُ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ يَصِيرُ الْبَاقِي تَحْتَ الْعَامِّ مَجْهُولًا فَلَا يَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ يَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ حُجَّةً فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي بُطْلَانِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ هَذَا مَا قَالُوا، وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَذْهَبُ عِنْدَكُمْ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ صِحَّةَ تَعْلِيلٍ فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ الْعَامُّ عِنْدَكُمْ بِنَاءً عَلَى زَعْمِكُمْ فِي صِحَّةِ تَعْلِيلِهِ، وَلَا تَمَسُّكَ لَكُمْ بِزَعْمِ الْجُبَّائِيُّ أَنَّ عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ فَلِدَفْعِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ قَالَ (عَلَى أَنَّ احْتِمَالَ التَّعْلِيلِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ تَخْصِيصَهُ يَخُصُّ وَمَا لَا فَلَا) فَإِنَّ الْمُخَصِّصَ إنْ لَمْ يُدْرَكْ فِيهِ عِلَّةٌ لَا يُعَلَّلُ فَيَبْقَى الْعَامُّ فِي الْبَاقِي حُجَّةً، وَإِنْ عُرِفَ فِيهِ عِلَّةٌ فَكُلُّ مَا تُوجَدُ الْعِلَّةُ فِيهِ يَخُصُّ قِيَاسًا وَمَا لَا فَلَا فَلَا يَبْطُلُ الْعَامُّ بِاحْتِمَالِ التَّعْلِيلِ (فَظَهَرَ هُنَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ) أَيْ: لَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ تَعْلِيلَ الْمُخَصِّصِ صَحِيحٌ ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُخَصِّصِ وَالنَّاسِخِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ النَّاسِخِ الَّذِي يَنْسَخُ الْحُكْمَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِيُثْبِتَ النَّسْخَ فِي بَعْضٍ آخَرَ قِيَاسًا صُورَتُهُ أَنْ يَرِدَ نَصٌّ خَاصٌّ حُكْمُهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْعَامِّ، وَيَكُونَ وُرُودُهُ مُتَرَاخِيًا عَنْ وُرُودِ الْعَامِّ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ نَاسِخًا لَا مُخَصِّصًا عَلَى مَا سَبَقَ.
(فَإِنَّ الْعَامَّ الَّذِي نُسِخَ بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ لَا يُنْسَخُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَنْسَخُ النَّصَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخَصِّصَ الْمَجْهُولَ بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ لَا يُبْطِلُ الْعَامَّ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ يُبْطِلُهُ، وَالْمَعْلُومَ بِالْعَكْسِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي بُطْلَانِهِ وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ أَصْلَ الْيَقِينِ، بَلْ وَصْفَهُ.
(قَوْلُهُ: لَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ) لَمَّا كَانَ مَعْنَى سُقُوطِ الْمُخَصِّصِ الْمَجْهُولِ لِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لِشَبَهِهِ بِالنَّاسِخِ فَسَقَطَ كَمَا سَقَطَ النَّاسِخُ الْمَجْهُولُ، وَمَعْنَى إيجَابِهِ جَهَالَةَ الْعَامِّ لِلشَّبَهِ الثَّانِي أَنَّهُ لِشُبْهَةٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ يُوجِبُ ذَلِكَ كَمَا يُوجِبُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَمَعْنَى عَدَمِ صِحَّةِ تَعْلِيلِ الْمُخَصِّصِ الْمَعْلُومِ لِلشَّبَهِ الثَّانِي أَنَّهُ لِشَبَهِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الِاسْتِثْنَاءِ كَانَ السَّابِقُ إلَى الْوَهْمِ مِنْ قَوْلِهِ فَلِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ أَنَّهُ لِشَبَهِهِ بِالنَّاسِخِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ النَّاسِخِ فَدَفَعَ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِأَنَّ النَّاسِخَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
فَإِنْ قِيلَ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ تَعْلِيلُ الْمُخَصِّصِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كِلَا شَبَهَيْهِ يَقْتَضِيَانِ عَدَمَ التَّعْلِيلِ قُلْنَا شَبَهُهُ بِالنَّاسِخِ وَهُوَ الِاسْتِقْلَالُ يَقْتَضِي صِحَّةَ التَّعْلِيلِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّاسِخِ لِمَانِعٍ وَهُوَ صَيْرُورَةُ الْقِيَاسِ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ، وَلَا مَانِعَ فِي الْمُخَصِّصِ فَيَصِحُّ تَعْلِيلُهُ لِشَبَهِهِ بِالنَّاسِخِ أَيْ: لِاسْتِقْلَالِهِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ احْتِمَالَ التَّعْلِيلِ) يَصْلُحُ فِعْلًا لِلشُّبْهَةِ الْمُورَدَةِ مِنْ قِبَلِ الْكَرْخِيِّ فِي بُطْلَانِ الِاحْتِجَاجِ بِالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ لَا جَوَابًا عَنْ الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى كَلَامِ الْقَوْمِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ صِحَّةُ تَعْلِيلِ الْمَخْصُوصِ تُوجِبُ جَهَالَةً فِي الْعَامِّ وَتَقْتَضِي سُقُوطَهُ، وَبُطْلَانَ حُجِّيَّتِهِ كَمَا زَعَمْتُمْ لَوَجَبَ بُطْلَانُ حُجِّيَّةِ الْعَامِّ