وَاحِدٍ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ.

(لِأَنَّ كُلَّ عَامٍّ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ وَهُوَ شَائِعٌ فِيهِ) أَيْ: التَّخْصِيصُ شَائِعٌ فِي الْعَامِّ (وَعِنْدَنَا هُوَ قَطْعِيٌّ مُسَاوٍ لِلْخَاصِّ وَسَيَجِيءُ مَعْنَى الْقَطْعِيِّ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُخَصَّ بِقَطْعِيٍّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مَتَى وُضِعَ لِمَعْنًى كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَازِمًا لَهُ إلَّا أَنْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ جَازَ إرَادَةُ الْبَعْضِ بِلَا قَرِينَةٍ يَرْتَفِعُ الْأَمَانُ عَنْ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ خِطَابَاتِ الشَّرْعِ عَامَّةٌ وَالِاحْتِمَالُ الْغَيْرُ النَّاشِئُ عَنْ دَلِيلٍ لَا يُعْتَبَرُ، فَاحْتِمَالُ الْخُصُوصِ هُنَا كَاحْتِمَالِ الْمَجَازِ فِي الْخَاصِّ فَالتَّأْكِيدُ يَجْعَلُهُ مُحْكَمًا)

هَذَا جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ الْوَاقِفِيَّةُ أَنَّهُ مُؤَكَّدٌ بِكُلٍّ أَوْ أَجْمَعَ وَأَيْضًا جَوَابٌ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ، فَنَقُولُ نَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّ الْعَامَّ لَا احْتِمَالَ فِيهِ أَصْلًا، فَاحْتِمَالُ التَّخْصِيصِ فِيهِ كَاحْتِمَالِ الْمَجَازِ فِي الْخَاصِّ، فَإِذَا أُكِّدَ يَصِيرُ مُحْكَمًا أَيْ: لَا يَبْقَى فِيهِ احْتِمَالٌ أَصْلًا لَا نَاشِئٌ عَنْ دَلِيلٍ وَلَا غَيْرُ نَاشِئٍ عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى السَّامِعِ وَتَكْلِيفِهِ بِالْمُحَالِ، فَإِنْ قِيلَ لَمَّا لَمْ يُكَلِّفْنَا اللَّهُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْإِرَادَةِ الْبَاطِنَةِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ فَلَزِمَنَا الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ الظَّاهِرِ لَكِنَّهَا بَقِيَتْ فِي حَقِّ الْعِلْمِ فَلَمْ يَلْزَمْنَا الِاعْتِقَادُ الْقَطْعِيُّ، وَمَعَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ الظَّاهِرِ لَا يَرْتَفِعُ الْأَمَانُ قُلْنَا لَمَّا كَانَ التَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِنَا الْوُقُوفُ عَلَى الْبَاطِنِ لَمْ تُعْتَبَرْ الْإِرَادَةُ الْبَاطِنَةُ فِي حَقِّنَا لَا عِلْمًا وَلَا عَمَلًا، وَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَ الْبَاطِلِ تَيْسِيرًا، وَبَقِيَ مَا يُفْهَمُ مِنْ الْعُمُومِ الظَّاهِرِ قَطْعِيًّا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْعِلْمَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَلَمَّا لَمْ تُعْتَبَرْ الْإِرَادَةُ الْبَاطِنَةُ فِي حَقِّ التَّبَعِ وَهُوَ الْعَمَلُ فَأَوْلَى أَنْ لَا تُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَهُوَ الْعِلْمُ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ؛ وَلِأَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِهَا فِي حَقِّ التَّبَعِ احْتِيَاطٌ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَمَلِ دُونَ الْعِلْمِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَقْوَى مِنْ التَّبَعِ فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَقْوَى مُثْبِتُ التَّبَعِ عَلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ تَمَسُّكِ الْمُخَالِفِ فَقَدْ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَتْبِعُ الْجَوَابَ عَنْ اسْتِدْلَالِ الْقَائِلِينَ بِالتَّوَقُّفِ فِي الْعُمُومِ بِأَنَّهُ يُؤَكَّدُ بِكُلٍّ وَأَجْمَعِينَ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِاحْتِمَالِ الْعَامِّ التَّخْصِيصَ مُطْلَقُ الِاحْتِمَالِ فَهُوَ لَا يُنَافِي الْقَطْعَ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَهُوَ عَدَمُ الِاحْتِمَالِ النَّاشِئِ عَنْ الدَّلِيلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ قَطْعِيًّا مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ احْتِمَالًا غَيْرَ نَاشِئٍ عَنْ الدَّلِيلِ كَمَا أَنَّ الْخَاصَّ قَطْعِيٌّ مَعَ احْتِمَالِ الْمَجَازِ كَذَلِكَ فَيُؤَكَّدُ الْعَامُّ بِكُلٍّ وَأَجْمَعِينَ لِيَصِيرَ مُحْكَمًا وَلَا يَبْقَى فِيهِ احْتِمَالُ الْخُصُوصِ أَصْلًا كَمَا يُؤَكَّدُ الْخَاصُّ فِي مِثْلِ جَاءَنِي زَيْدٌ نَفْسُهُ أَوْ عَيْنُهُ لِدَفْعِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ بِأَنْ يَجِيءَ رَسُولُهُ أَوْ كِتَابُهُ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ احْتِمَالًا نَاشِئًا عَنْ دَلِيلٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ شَائِعٌ فِيهِ) وَهُوَ دَلِيلُ الِاحْتِمَالِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْصِيصَ الَّذِي يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَالِاحْتِمَالُ شَائِعٌ فِيهِ، بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015