الْوَاحِدِ ثَابِتًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ.
(وَقَدْ يُطْلَقُ الْوَاجِبُ عِنْدَنَا عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَيْضًا) أَيْ أَعَمَّ مِنْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ مَعَ مَنْعِ التَّرْكِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى الْقَطْعِيِّ، أَوْ الظَّنِّيِّ (فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَاجِبَةٌ) .
(وَالسُّنَّةُ نَوْعَانِ سُنَّةُ الْهُدَى وَتَرْكُهَا يُوجِبُ إسَاءَةً وَكَرَاهِيَةً كَالْجَمَاعَةِ وَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَنَحْوِهَا وَسُنَّةُ الزَّوَائِدِ وَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَسُنَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي لِبَاسِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَالسُّنَّةُ الْمُطْلَقَةُ تُطْلَقُ عَلَى طَرِيقَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَنَا تَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فَإِنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَقُولُونَ: سُنَّةُ الْعُمَرَيْنِ وَالنَّفَلُ مَا يُثَابُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَمَلِ كَالْوِتْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى يَمْتَنِعَ تَذَكُّرُهُ صِحَّةَ الْفَجْرِ كَتَذَكُّرِ الْعِشَاءِ، وَعَلَى ظَنِّيٍّ هُوَ دُونَ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ كَتَعَيُّنِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى لَا تَفْسُدَ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا لَكِنْ يَجِبُ سَجْدَةُ السَّهْوِ
(قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ الْمُطْلَقَةُ) كَمَا إذَا قَالَ الرَّاوِي مِنْ السُّنَّةِ كَذَا: يُحْمَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَعِنْدَ جَمْعٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُطْلَقُ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا، وَلَا تَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِدُونِ قَرِينَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: سُنَّةُ الْعُمَرَيْنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي السُّنَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً» الْحَدِيثَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَنَّ سُنَّةً» قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ عَنْ التَّخْصِيصِ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِ السُّنَّةِ عَلَى الطَّرِيقَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمَدْلُولُ اللُّغَوِيُّ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ يَنْصَرِفُ فِي الشَّرْعِ إلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْعُرْفِ الطَّارِئِ كَالطَّاعَةِ تَنْصَرِفُ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَقَدْ يُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا أَحَدُهُمَا فَرْضٌ وَالْآخَرُ سُنَّةٌ أَيْ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَالنَّفَلُ يُثَابُ فَاعِلُهُ) أَيْ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ، وَلَا يُذَمُّ تَارِكُهُ جَعَلَهُ حُكْمَ النَّفْلِ وَبَعْضُهُمْ تَعْرِيفَهُ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ صَوْمَ الْمُسَافِرِ وَالزِّيَادَةَ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقَعُ فَرْضًا، وَلَا يُذَمُّ تَارِكُهُ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّرْكُ مُطْلَقًا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الزِّيَادَةَ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا كَانَتْ نَفْلًا فَانْقَلَبَتْ فَرْضًا بَعْدَ التَّحَقُّقِ لِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] كَالنَّافِلَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ تَصِيرُ فَرْضًا حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ وَالنَّفَلُ دُونَ سُنَنِ الزَّوَائِدِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ طَرِيقَةً مَسْلُوكَةً فِي الدِّينِ وَسِيرَةً لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -