فَنُزُولُ الْعَذَابِ كَانَ وَاجِبًا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ سَبْقِ الْكِتَابِ لَكِنْ سَبْقُ الْكِتَابِ كَانَ وَاقِعًا، فَلَا يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ وَاقِعًا بِسَبَبِ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ بَعْدَ سَبْقِ الْكِتَابِ. (وَالْمُخْطِئُ فِي الِاجْتِهَادِ لَا يُعَاقَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ الصَّوَابِ بَيِّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْكِتَابِ فِي الْحُكْمِ وَيَفْتَقِرُ إلَى الْحَاكِمِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَا الْعَقْلُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَمْرِ. وَالْمَحْكُومُ بِهِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ وَنُورِدُ الْأَبْحَاثَ فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ:
(بَابٌ فِي الْحُكْمِ) اعْلَمْ أَنِّي
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَصْوِيبِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ فِي الْمَسَائِلِ الْكَلَامِيَّةِ إذْ لَمْ يُوجِبْ تَكْفِيرَ الْمُخَالِفِ كَمَسْأَلَةِ خَلْقِ الْقُرْآنِ وَمَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَمَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ فَمَعْنَاهُ نَفْيُ الْإِثْمِ وَتَحَقُّقُ الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ لَا حَقِيقَةُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ
(قَوْلُهُ: الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْكِتَابِ) ، وَقَدْ وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ مَبَاحِثِ الْأَدِلَّةِ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي مَبَاحِثِ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُ الْحُكْمِ وَمَبَاحِثِ الْحَاكِمِ فَرَتَّبَ الْكَلَامَ هَاهُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ: مَبَاحِثِ الْحُكْمِ نَفْسِهِ وَمَبَاحِثِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَمَبَاحِثِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَابْتَدَأَ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ، ثُمَّ بِالْمَحْكُومِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَوَّلًا وَبِوَاسِطَةِ أَنَّهُ مُضَافٌ إلَى الْمُكَلَّفِ وَعِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِهِ يَصِيرُ الْمُكَلَّفُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَحَاوَلَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ اخْتِرَاعَ تَقْسِيمٍ حَاصِرٍ أَيْ ضَابِطٍ لِمَا تَفَرَّقَ مِنْ أَقْسَامِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحُكْمِ، وَأَمَّا التَّقْسِيمُ الْحَاضِرُ بِمَعْنَى كَوْنِهِ دَائِرًا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مُقَيَّدَ التَّكْثِيرِ مَفْهُومٌ وَاحِدٌ إلَى مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَابِلَةِ، فَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَا هِيَ مُتَدَاخِلَةٌ كَالْفَرْضِ مَثَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِدَائِرٍ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَالتَّقْسِيمِ إلَى مَا يَكُونُ صِفَةً لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَإِلَى مَا يَكُونُ أَثَرًا لَهُ، وَأَنَا أُلْقِي إلَيْك مُحَصِّلَ الْبَابِ إجْمَالًا لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ الْأَمْرِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ إمَّا حُكْمٌ بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْحُكْمُ إمَّا صِفَةٌ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، أَوْ أَثَرٌ لَهُ، فَإِنْ كَانَ أَثَرًا لَهُ كَالْمِلْكِ، فَلَا بَحْثَ هَاهُنَا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ صِفَةً فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ اعْتِبَارًا أَوَّلِيًّا إمَّا الْمَقَاصِدُ الدُّنْيَوِيَّةُ، أَوْ الْمَقَاصِدُ الْأُخْرَوِيَّةُ فَالْأَوَّلُ يَنْقَسِمُ الْفِعْلُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ تَارَةً إلَى صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ وَفَاسِدٍ وَتَارَةً إلَى مُنْعَقِدٍ وَغَيْرِ مُنْعَقِدٍ وَتَارَةً إلَى نَافِذٍ وَغَيْرِ نَافِذٍ وَتَارَةً إلَى لَازِمٍ وَغَيْرِ لَازِمٍ. وَالثَّانِي إمَّا أَصْلِيٌّ، أَوْ غَيْرُ أَصْلِيٍّ فَالْأَصْلِيُّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ، أَوْ التَّرْكُ أَوْلَى مِنْ الْفِعْلِ، أَوْ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى فَالْأَوَّلُ: إنْ كَانَ مَعَ مَنْعِ التَّرْكِ بِقَطْعِيٍّ فَفَرْضٌ، أَوْ بِظَنِّيٍّ فَوَاجِبٌ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ طَرِيقَةً مَسْلُوكَةً فِي الدِّينِ فَسُنَّةٌ وَإِلَّا فَنَفْلٌ وَنَدْبٌ. وَالثَّانِي: إنْ كَانَ مَعَ مَنْعِ الْفِعْلِ فَحَرَامٌ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ. وَالثَّالِثُ: مُبَاحٌ.
وَغَيْرُ الْأَصْلِيِّ رُخْصَةٌ وَهِيَ إمَّا حَقِيقَةٌ، أَوْ مَجَازٌ وَالْحَقِيقَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ أَوْلَى وَأَحَقَّ بِمَعْنَى الرُّخْصَةِ، أَوْ لَا وَالْمَجَازُ إمَّا أَنْ