لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُقْبَلُ مِنْكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْبَلَ» .
(وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْتَهُ» الْحَدِيثَ) رُوِيَ «أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْتَهُ أَكَانَ يَضُرُّكَ؟» .
(لَكِنْ يُحْتَمَلُ فِي الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَهُ بِالْوَحْيِ لَكِنْ بَيَّنَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لِمَا كَانَ مُوَافِقًا لَهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْبَقُ النَّاسِ فِي الْعِلْمِ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُتَشَابِهَ وَالْمُجْمَلَ، فَمُحَالٌ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ مَعَانِي النَّصِّ) الْمُرَادُ بِهَا الْعِلَلُ.
(فَإِذَا وَضَحَ لَهُ لَزِمَهُ الْعَمَلُ؛ وَلِأَنَّهُ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ فِي سَائِرِ الْحَوَادِثِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ فَأَخَذَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ بِرَأْيِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى يَوْمَ بَدْرٍ بِسَبْعِينَ أَسِيرًا فِيهِمْ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَعَقِيلُ ابْنُ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فَاسْتَشَارَ أَبَا بَكْرٍ فِيهِمْ فَقَالَ: قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ فَاسْتَبْقِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، وَخُذْ مِنْهُمْ فِدْيَةً يَقْوَى بِهَا أَصْحَابُكَ، وَقَالَ عُمَرُ كَذَّبُوكَ، وَأَخْرَجُوك فَقَدِّمْهُمْ وَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَغْنَاكَ عَنْ الْفِدَاءِ مَكِّنْ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ وَحَمْزَةَ مِنْ عَبَّاسٍ، وَمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ لِنَسِيبٍ لَهُ فَلْنَضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لَنَا الِاتِّبَاعُ أَمْ لَا؟ .
وَاعْتُرِضُ عَلَى مَذْهَبِ التَّوَقُّفِ بِأَنَّا إمَّا أَنْ نَمْنَعَ الْأُمَّةَ مِنْ الْفِعْلِ، وَنَذُمَّهُمْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ حَرَامًا أَوْ لَا فَيَكُونُ مُبَاحًا، فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَوْلُ بِالْوَقْفِ، وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نَمْنَعُهُمْ، وَلَا نَذُمُّهُمْ لِعَدَمِ عِلْمِنَا بِالْحُكْمِ فِي حَقِّهِمْ لَا لِتَحَقُّقِ الْإِبَاحَةِ، وَقَدْ يُقَالُ عَلَى الْأَوَّلِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَابَعَةِ مُجَرَّدُ الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِصِفَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ وَالطَّرِيقَةِ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَعَلَى الثَّالِثِ أَنَّ الْإِبَاحَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ جَوَازِ الْفِعْلِ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ، وَأَيْضًا فِيهِ إثْبَاتُ الْحُرْمَةِ بِلَا دَلِيلٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ.
وَعَلَى الرَّابِعِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِبَاحَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ عَلَى مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ، فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُرِيدَ مُجَرَّدُ جَوَازِ الْفِعْلِ، فَلَا نِزَاعَ لِلْوَاقِفِيَّةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الْإِبَاحَةُ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ وَتَثْبُتُ بِحُكْمِ الْأَصْلِ
(قَوْلُهُ: فَعِنْدَ الْبَعْضِ حَظُّهُ الْوَحْيُ الظَّاهِرُ لَا الِاجْتِهَادُ) وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ} [النجم: 4] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ إنَّمَا هُوَ وَحْيٌ لَا غَيْرُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْوَحْيِ مَا أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ بِلِسَانِ الْمَلَكِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ كَانَ حُكْمُهُ بِالِاجْتِهَادِ أَيْضًا وَحْيًا لَا نُطْقًا عَنْ الْهَوَى، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا إشَارَةً بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ دَلِيلٍ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَلَا عَجْزَ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوُجُودِ الْوَحْيِ الْقَاطِعِ، وَأَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ اجْتِهَادَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْقَرَارَ عَلَى الْخَطَأِ فَتَقْرِيرُهُ