أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَقِينٌ بِأَصْلِهِ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي نَقْلِهِ، وَفِي الْقِيَاسِ الْعِلَّةُ مُحْتَمَلَةٌ، وَهِيَ الْأَصْلُ، وَأَيْضًا إذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا عِلَّةٌ قَطْعًا لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْفَرْعِ مَانِعٌ أَوْ لِخُصُوصِيَّةِ الْأَصْلِ أَثَرٌ، أَوْ بِالرِّوَايَةِ فَقَطْ كَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِنْ وَافَقَ الْقِيَاسَ قُبِلَ، وَكَذَا إنْ خَالَفَ قِيَاسًا وَوَافَقَ قِيَاسًا آخَرَ لَكِنَّهُ إنْ خَالَفَ جَمِيعَ الْأَقْيِسَةِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَنَا، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ السَّدَادِ بَابِ الرَّأْيِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّقْلَ بِالْمَعْنَى كَانَ مُسْتَفِيضًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ لَا بَعْدَهُ وَإِنْ ظَهَرَ فَإِمَّا أَنْ يَشْهَدَ السَّلَفُ لَهُ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فَيُقْبَلُ أَوْ بِرَدِّهِ فَلَا يُقْبَلَ أَوْ يَسْكُتُوا عَنْهُ فَيُقْبَلَ أَوْ يَقْبَلَ الْبَعْضُ وَيَرُدَّ الْبَعْضُ مَعَ نَقْلِ الثِّقَاتِ عَنْهُ فَإِنْ وَافَقَ قِيَاسًا، وَإِلَّا فَلَا.
(قَوْلُهُ: وَحَدِيثُهُ يُقْبَلُ) أَيْ: يُعْمَلُ بِحَدِيثِ الرَّاوِي الْمَعْرُوفِ بِالرِّوَايَةِ وَالْفِقْهِ سَوَاءٌ وَافَقَ الْقِيَاسَ حَتَّى يَكُونَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِهِ لَا بِالْقِيَاسِ أَوْ خَالَفَهُ حَتَّى يَثْبُتَ مُوجَبُهُ لَا مُوجِبُ الْقِيَاسِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ إنْ ثَبَتَتْ بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ فِي الدَّلَالَةِ فَإِنْ كَانَ وُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ قَطْعِيًّا فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ رَاجِحٌ عَلَى الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا فَالتَّوَقُّفُ، وَإِنْ ثَبَتَتْ لَا بِنَصٍّ رَاجِحٍ فَالْخَبَرُ مُقَدَّمٌ، وَعَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَقَدُّمِ الْقِيَاسِ إنْ ثَبَتَتْ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ، وَفِي تَقَدُّمِ الْخَبَرِ إنْ ثَبَتَتْ بِنَصٍّ ظَنِّيٍّ أَوْ اُسْتُنْبِطَتْ مِنْ أَصْلٍ ظَنِّيٍّ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اُسْتُنْبِطَتْ مِنْ أَصْلٍ قَطْعِيٍّ وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى تَقَدُّمِ الْخَبَرِ بِوَجْهَيْنِ.
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْخَبَرَ يَقِينٌ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَوْلُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ فِي عَارِضِ النَّقْلِ حَيْثُ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ وَالنِّسْيَانَ وَالْكَذِبَ، وَالْقِيَاسُ مُحْتَمِلٌ بِأَصْلِهِ أَيْ: عِلَّتِهِ الَّتِي تُبْنَى عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ فَإِنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ يَقِينًا إلَّا بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، وَهُوَ أَمْرٌ عَارِضٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُتَيَقَّنَ الْأَصْلِ رَاجِحٌ عَلَى مُحْتَمَلِهِ.
الثَّانِي أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ قَطْعًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خُصُوصِيَّةُ الْأَصْلِ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ أَوْ خُصُوصِيَّةُ الْفَرْعِ مَانِعًا عَنْهُ فَيَكُونُ تَطَرُّقُ الِاحْتِمَالِ إلَى الْقِيَاسِ أَكْثَرَ فَيُؤَخَّرُ عَنْ الْخَبَرِ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ الِاحْتِمَالُ إلَّا فِي طَرِيقِ نَقْلِهِ هُوَ عَارِضٌ ثُمَّ تَرَكَ الصَّحَابَةُ الْقِيَاسَ بِالْخَبَرِ مُتَوَاتِرِ الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَتْ آحَادُهُ غَيْرَ مُتَوَاتِرَةٍ فَيَكُونُ إجْمَاعًا.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ) أَيْ: خَبَرَ الرَّاوِي الْمَعْرُوفِ بِالرِّوَايَةِ دُونَ الْفِقْهِ إنْ خَالَفَ جَمِيعَ الْأَقْيِسَةِ الَّتِي لَا يَكُونُ ثُبُوتُ أُصُولِهَا بِخَبَرِ رَاوٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ بِالْفِقْهِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَنَا، وَفِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا؛ فَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْقِيَاسِ فِي أُمُورٍ سِتَّةٍ حُكْمُ الْأَصْلِ وَتَعْلِيلُهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَعَيُّنُ الْوَصْفِ الَّذِي بِهِ التَّعْلِيلُ، وَوُجُودُ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الْفُرُوعِ، وَنَفْيُ الْمُعَارِضِ فِي الْأَصْلِ وَنَفْيُهُ فِي الْفَرْعِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ عُدُولِ الصَّحَابَةِ نَقْلُ الْحَدِيثِ بِلَفْظِهِ وَلِهَذَا نَجِدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ شَكَّ الرَّاوِي