الدِّرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ فِي غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ الْحِسِّيِّ لَا يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ الْأَمْرِ الثَّانِي، يَجِبُ إمْكَانُهُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَلَا يَكُونُ النَّهْيُ لِلْقُبْحِ لِذَاتِهِ أَوْ لِجُزْئِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي إمْكَانَ وُجُودِهِ شَرْعًا فَيَكُونُ لِقُبْحِ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ، وَأَيْضًا إذَا اجْتَمَعَ الْمَوْضُوعُ لَهُ لُغَةً، وَشَرْعًا لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَوْضُوعِ لَهُ الشَّرْعِيِّ فَيَجِبُ الْإِمْكَانُ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، فَإِنْ قِيلَ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ مَثَلًا لَيْسَ إلَّا عَنْ التَّصَرُّفِ الْحِسِّيِّ فَأَمَّا الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ فَلَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ النَّهْيُ عَنْهُ قُلْنَا الشَّارِعُ قَدْ وَضَعَ اللَّفْظَ لِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ الْأَهْلِ مُضَافًا إلَى الْمَحَلِّ يُوجَدُ إنْشَاءُ الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ قَطْعًا فَالْقُدْرَةُ حَاصِلَةٌ عَلَى إنْشَاءِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ مُضَافًا إلَى الْمَحَلِّ الصَّالِحِ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ مَقْدُورًا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، ثُمَّ بِتَبَعِيَّةِ هَذَا النَّهْيِ يَكُونُ التَّكَلُّمُ بِاللَّفْظِ مَنْهِيًّا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَ بِهِ يُثْبِتُ بِهِ مَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَهُوَ الْإِنْشَاءُ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِهِ ثَبَتَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ، وَهُوَ الْإِنْشَاءُ الشَّرْعِيُّ، وَنَظِيرُهُ الطَّلَاقُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ (وَلِأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَعْصِيَةً لَا عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مُفِيدٍ لِحُكْمِهِ كَالْمِلْكِ مَثَلًا فَنَقُولُ بِصِحَّتِهِ لِإِبَاحَتِهِ، وَالْقُبْحُ مُقْتَضَى النَّهْيِ فَلَا يَثْبُتُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحْصِيلِ.

1 -

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ النَّهْيَ) جَوَابٌ عَنْ كَلَامِ الْخَصْمِ لَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الصِّحَّةَ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْقُبْحُ مُقْتَضَى النَّهْيِ لَكِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالْقُبْحِ لِذَاتِهِ بَلْ الْفِعْلُ إنَّمَا يَحْسُنُ لِلْأَمْرِ، وَيَقْبُحُ لِلنَّهْيِ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالصِّحَّةِ إمْكَانُ الْمَعْنَى الَّذِي يُسَمَّى فِي الشَّرْعِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الصِّحَّةِ بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَسُقُوطِ الْقَضَاءِ وَمُوَافَقَةِ أَمْرِ الشَّارِعِ وَتَرَتُّبِ الْآثَارِ عَلَيْهِ كَالْمِلْكِ، وَلَا دَلَالَةَ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.

(قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَيْنَاهُ) يَعْنِي أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْقُبْحَ، وَالْمَنْهِيَّ عَنْهُ يَقْتَضِي الْإِمْكَانَ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ الْأَمْرَيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْقُبْحِ لِلْغَيْرِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ فَيَكُونُ مُحَافَظَةً عَلَى الْمُقْتَضَى وَهُوَ الْقُبْحُ، وَعَلَى الْمُقْتَضِي وَهُوَ النَّهْيُ بِأَنْ لَا يَكُونَ نَهْيًا عَلَى الْمُسْتَحِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حُمِلَ الْقُبْحُ عَلَى الْقُبْحِ لِعَيْنِهِ، وَحُكِمَ بِبُطْلَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ إسْقَاطُ النَّهْيِ وَجَعْلُهُ لَغْوًا عَبَثًا.

(قَوْلُهُ وَالْبَعْضُ سَلَّمُوا) ذَهَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ وَالْجُبَّائِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ يَسْقُطُ الطَّلَبُ عِنْدَهَا؛ لَا بِهَا يَعْنِي لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا تَصِحُّ اسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ لِتَضَادِّ الْأَمْرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015