بَاهِرُ الْبُرْهَانِ مَرْكُوزٌ كُنُوزُ مَعَانِيهِ فِي صُخُورِ عِبَارَاتِهِ وَمَرْمُوزٌ غَوَامِضُ نُكَتِهِ فِي دَقَائِقِ إشَارَاتِهِ وَوَجَدْت بَعْضَهُمْ طَاعِنِينَ عَلَى ظَوَاهِرِ أَلْفَاظِهِ؛ لِقُصُورِ نَظَرِهِمْ عَنْ مَوَاقِعِ أَلْحَاظِهِ) أَيْ لَا يُدْرِكُونَ بِإِمْعَانِ النَّظَرِ مَا يُدْرِكُهُ هُوَ بِلِحَاظِ عَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ قَصْدًا (أَرَدْت تَنْقِيحَهُ وَتَنْظِيمَهُ وَحَاوَلْت) أَيْ طَلَبْت (تَبْيِينَ مُرَادِهِ وَتَفْهِيمَهُ وَعَلَى قَوَاعِدِ الْمَعْقُولِ وَتَأْسِيسِهِ وَتَقْسِيمِهِ مُورِدًا فِيهِ زُبْدَةَ مَبَاحِثِ الْمَحْصُولِ وَأُصُولِ الْإِمَامِ الْمُدَقِّقِ جَمَالِ الْعَرَبِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَعَ تَحْقِيقَاتٍ بَدِيعَةٍ وَتَدْقِيقَاتٍ غَامِضَةٍ مَنِيعَةٍ تَخْلُو الْكُتُبُ عَنْهَا سَالِكًا فِيهِ مَسْلَكَ الضَّبْطِ وَالْإِيجَازِ مُتَشَبِّثًا بِأَهْدَابِ السِّحْرِ مُتَمَسِّكًا بِعُرْوَةِ الْإِعْجَازِ) اخْتَارَ فِي الْإِعْجَازِ الْعُرْوَةَ وَفِي السِّحْرِ الْأَهْدَابَ؛ لِأَنَّ الْإِعْجَازَ أَقْوَى وَأَوْثَقُ مِنْ السِّحْرِ وَاخْتَارَ فِي الْعُرْوَةِ لَفْظَ الْوَاحِدِ وَفِي الْأَهْدَابِ لَفْظَ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْإِعْجَازَ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُؤَدَّى الْمَعْنَى بِطَرِيقٍ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ مِنْ الطُّرُقِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إلَّا وَاحِدًا وَأَمَّا السِّحْرُ فِي الْكَلَامِ فَهُوَ دُونَ الْإِعْجَازِ وَطُرُقُهُ فَوْقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَوْصَلَ الْفِعْلَ فَصَارَ غَوَامِضُ مُسْنَدًا إلَيْهِ وَالنُّكْتَةُ اللَّطِيفَةُ الْمُنَقَّحَةُ مِنْ نَكَتَ فِي الْأَرْضِ بِالْقَضِيبِ إذَا ضَرَبَ فَأَثَّرَ فِيهَا يَعْنِي قَدْ أَوْمَأَ إلَى النُّكَتِ الْخَفِيَّةِ اللَّطِيفَةِ فِي أَثْنَاءِ إشَارَاتِهِ الدَّقِيقَةِ وَالنَّظَرُ تَأَمُّلُ الشَّيْءِ بِالْعَيْنِ وَالْإِمْعَانُ فِيهِ وَاللَّحْظُ النَّظَرُ إلَى الشَّيْءِ بِمُؤَخَّرِ الْعَيْنِ وَاللَّحَاظُ بِالْفَتْحِ مُؤَخَّرُ الْعَيْنِ وَالتَّنْقِيحُ التَّهْذِيبُ تَقُولُ نَقَّحْت الْجِذْعَ وَشَذَّبْته إذَا قَطَعْت مَا تَفَرَّقَ مِنْ أَغْصَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي لُبِّهِ وَتَنْظِيمُ الدُّرَرِ فِي السِّلْكِ جَمْعُهَا كَمَا يَنْبَغِي مُتَرَتِّبَةً مُتَنَاسِقَةً وَالْكَلَامُ لَا يَخْلُو عَنْ تَعْرِيضٍ مَا بَانَ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ زَوَائِدَ يَجِبُ حَذْفُهَا وَشَتَائِتَ يَجِبُ نَظْمُهَا وَمَغَالِقَ يَجِبُ حَلُّهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَعْقُولِ بِأَنْ يُرَاعَى فِي التَّعْرِيفَاتِ وَالْحُجَجِ شَرَائِطُهَا الْمَذْكُورَةُ فِي عِلْمِ الْمِيزَانِ، وَفِي التَّقْسِيمَاتِ عَدَمُ تَدَاخُلِ الْأَقْسَامِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَلْتَفِت إلَيْهِ الْمَشَايِخُ.
قَوْلُهُ (مُورِدًا فِيهِ) فِي ذَلِكَ الْمُنَقَّحِ الْمَوْصُوفِ يَعْنِي كِتَابَهُ وَكَذَا الضَّمَائِرُ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (الْإِعْجَازُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُؤَدَّى الْمَعْنَى بِطَرِيقٍ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ مِنْ الطُّرُقِ) لَيْسَ تَفْسِيرُ الْمَفْهُومِ إعْجَازَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالْبَلَاغَةِ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الْكَلَامِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ وَالْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ مِنْ أَعْجَزْتُهُ جَعَلْته عَاجِزًا وَلِهَذَا اخْتَلَفُوا فِي جِهَةِ إعْجَازِ الْقُرْآنِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى كَوْنِهِ مُعْجِزًا فَقِيلَ إنَّهُ بِبَلَاغَتِهِ وَقِيلَ بِإِخْبَارِهِ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ، وَقِيلَ بِأُسْلُوبِهِ الْغَرِيبِ وَقِيلَ بِصَرْفِ اللَّهِ الْعُقُولَ عَنْ الْمُعَارَضَةِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ إعْجَازَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَهُوَ كَوْنُهُ فِي غَايَةِ الْبَلَاغَةِ وَنِهَايَةِ الْفَصَاحَةِ عَلَى مَا هُوَ الرَّأْيُ الصَّحِيحُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي إعْجَازِ الْكَلَامِ كَوْنُهُ أَبْلَغَ مِنْ جَمِيعِ مَا عَدَاهُ يَكُونُ وَاحِدًا لَا تَعَدُّدَ فِيهِ بِخِلَافِ سِحْرِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ دِقَّتِهِ وَلُطْفِ مَأْخَذِهِ، وَهَذَا يَقَعُ عَلَى طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَمَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٍ فَلِهَذَا قَالَ أَهْدَابُ السِّحْرِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ