ننفرهم فلا يصلون. كأن الله أوكل لهم أن يجمعوا على الصلاة أكثر عدد ممكن. وما كلفهم الله ذلك إذ هو الذي ضبط الطريقة التي يرتضيها في عبادته، فمن اهتدى إليها فأقامها كما أمر سبحانه وحدد. فاز بالطاعة. ومن أعرض واستكبر فلم يقم الله أحدًا وكيلًا على عباده ليعبدوه. وقد رأينا أن صدق المازري مع الله انتهى إلى أن السلطان أدخل جزءًا من قصره في حدود الجامع. وخضع. ويغلب على الظن أن الأمير الذي استفتاه هو الحسن بن علي الصنهاجي الذي تولى الملك سنة 515. ذلك أن إملاءه لهذا الشرح كان مما محض له نشاطه العلمي في آخر حياته. فقوله فهو يصلي الآن في المقصورة أي وقت إملائه للشرح. وبين تولي الحسن بن علي السلطة وبين وفاة المازري إحدى وعشرون سنة.
ولعله يثور سؤال مما سبق لك وهو أن المازري قد بلغ من العلم والفطنة والورع ما بوأه مكانة الإمامة في عصره فلماذا لم يقدمه السلطان لولاية القضاء مع أنه كان يستشيره ويأخذ برأيه ولا يجرأ على تجاوزه؟ قد يكون مرد ذلك أن المازري نظر في الأوضاع الاجتماعية وفي أخلاق أهل عصره. فتبين له أن لا يستطيع أن ينهض بمهمة القضاء. إذ يقول في الطعن بالعداوة بين المحكوم عليه والشهود والمفتي أو القاضي: إذ الغالب اليوم عدم الثقة من العدول والقضاة والمفتين. وفي جو مثل هذا رأى أنه أمام سيل طام من الفساد لا يستطيع مواجهته ولا إبراز الحق في هذه الظلمات التي بعضها فوق بعض والله غالب على أمره وهو الحكيم الخبير. فقد كان انصرافه عن القضاء مساعدًا له على التأمل والتفقه. وبث العلم في صدور الرجال (?). رحمه الله وأجزل مثوبته.