يفزع إليه في الفتوى في الفقه (?). وينقل ابن فرحون كلام القاضي لفظًا ومعنى ويضيف إليه. يحكى أن سبب قراءته الطب ونظره فيه أنه مرض فكان يطبه يهودي فقال له اليهودي يومًا يا سيدي مثلي يطب مثلكم وأي قربة أجدها أتقرب بها في ديني مثل أن أفقدكم للمسلمين. فمن حينئذ نظر في الطب (?). والطب علم يتلازم فيه الجانب النظري والجانب التطبيقي. ولا يصل الإنسان فيه إلى المرتبة العليا التي تحدث عنها القاضي إلا إذا أخذ هذا الفن عن شيوخه ولكن لم يحفظ لنا اسم أي طبيب أخذ عنه. وأما الحكاية المسندة إلى المجهول من السبب الحامل له على تعلم الطب. فهي حكايته متخيلة وغير محبوكة. فلعلها ركبت رمزًا لموقف كثير من اليهود والنصارى الذي كان الإِسلام بتسامحه يعطيهم مكانتهم في المجتمع وهم يكيدون له كما وقع من جرجير الأنطاكي الذي قرّبه تميم وحكمه في دخله وخرجه وصارت أموال المسلمين في يده ويد أقاربه. فخان الأمانة وانحاز إلى لجار في صقلية وأصبح ركنًا من أركان دولته (?).
خامسًا: إتقانه للعلوم الحكمية. كما يظهر ذلك في مناقشته لحد الجنس والفصل عند المناطقة وبيانه اختلال التعريفات التي ارتضاها المناطقة من قبل. أما الجنس فقد حده أهل علم المنطق، بأنه اللفظ المقول على كثيرين مختلفين بالنوع. وهذا الحد قد أطبق عليه جميع الفلاسفة المتقدمين منهم والمتأخرين. وهو حد فاسد. لأن الجنس شيء غير اللفظ الدال عليه. وهذا الذي ذكروه إنما هو حد اللفظ الدال عليه فقولهم إنه حد للجنس بعينه خطأ. ألا تراهم يقولون قولنا حيوان جنس، وقولنا إنسان نوع؛ لأنه بعض الحيوان، ومعلوم أن الحيوان ليس هو اللفظة، التي هي قولنا حيوان، وِوجه آخر يفسد به هذا الحد وهو أنهم ذكروا أنه اللفظ المقول على المختلف بالنوع. والنوع لا يعلم عندهم حقيقته إلا بعد أن يعلم حقيقة الجنس. فقد بينوا الشيء بما هو مأخوذ منه، ومتفرع عنه، وكيف يصح أن يعلم الأصل من الفرع؟ هذا عكس الحقائق. والصواب في هذا