شرح التلقين (صفحة 3193)

هذه طرق الترجيح بين المذهبين، وأما نحن فقد كنا قدمنا أن مالكًا رضي الله عنه اختلف قوله في ضمان ما يغاب عليه إذا قامت البينة على ضياعه، فإن قلنا برواية ابن القاسم عنه: أنّ الضمان يسقط بقيام البينهّ، أشعر ذلك بأن أصله كأصل الشافعي في نفي الضمان، وإنما ضمن ما يغاب عليه للتهمة بإخفائه، وكون المرتهن لا يمكن أن يظهر صدقه من كذبه، والذي لا يغاب عليه بعيد كذبه فيه لأنه قد يظهر كذبه فيه يأتي العبد حيًّا، الذي زعم أنه مات، فكأنه نحا نحو الشافعي، لكنه ضمن في مواضع التهمة، ورأى في ذلك المصلحة كما يضمَّن الصناع لأجل المصلحة. وكثيرًا ما يلتفت رضي أدله عنه إلى النظر في المصالح وحماية الذرائع وأنْزل التهمة منزل اليقين في مواضع قد عُلمت.

وأما إن قلنا برواية أشهب عنه: أن الرهن مضمون ولو قامت البينة على ضياعه، فإن الأمر ها هنا مشكل في قاعدة مذهبه، هل يقول (?) أبو حنيفة: إن الأصل الضمان؛ وهذا يقتضي ضمان ما يغاب عليه وإن قامت البينة على ضياعه، لكن طرد هذا اقتضى أن يضمن ما لا يغاب عليه الآن ظهور هلاكه، ولو في الكذب بظهور سلامته، يحل محل البينة) (?). فهذا يجب أن ينظر فيه، وقد ذكرنا إذا ضمَّنَّا ما لغاب عليه ضمانه بقيمته غير ملحفتين فيه إلى مقدار الدين زاد على قيمة الرهن أو نقص؟ تكون هذا الرهن مضمونًا، ولو تعدى عليه المرتهن فأهلكه لضمن قيمته كما يضمن الغاصب قيمة ما أتلف. وذكرنا عن أبي حنيفة أنه إنما يضمن الأقلّ من قيمة الرهن أقل (?) من الدين، قال: إنما ضمّنتُ تكون المرتهن كأنه استوفى حقه بالرهن الذي أخذه، فلا يضمن إلا مقدار ما استوفاه.

وإن كان الدين أقل من قيمة الرهن فلا يضمن الزيادة على الدين, لأنه ليس له استحفاء هذه الزيادة، بل إذا بيع الرهن في الدين وفضلت من ثمنه فضلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015