كتاب ابن سحنون أن له مطالبة المشتري بالثمن وإن كان قد دفعه.
واراد بعض الاشياخ الحذاق أن يجري هذا على الخلاف في أصل اشتهر الخلاف فيه، وهو متلف مال غيره بوجه شبهة لا إذن له في التصرف فيه، كمشتري عبد قتله خطأً، وهذا البناء الذي بناه صحيح إذا قلنا: إن صاحب العبد إذا أجاز البيع فكأنّ البيعَ لم يزَلْ جائزا، أو العقدةُ ماضيةُ، ويصير يائع العبد كالوكيل لمالكه على البيع، ومنُ وكِّل على البيع فله قبض الثمن. وأما إذا قلنا: إنه إذا جاز البيع إنما ينعقد اليوم لا فيما قبلُ، والمشتري قد دفعه فيما قبلُ فهذا ينظر فيه. هذا حكم بيع العرْض بالأثمان التي هي النقود.
وأما بيع عَرْض بعرض، ودفع عنه أحد النقدين، مثل أن يشتري عبدا بجارية، ثم يدفع عن الجارية مائة دينار، فاستُحق العبدُ، فإن استحقاقه يُبطل البيعَ في الجارية، ويوجب ردّ الجارية على بائعها، وبائعها هي باقية في يديه لأنه باعها أوَّلًا، ثم لم يدفعها حتى اشتراها بالدنانير التي دفَع، فبقيت في يديه، وإذا بقيت في يديه ردّ الدنانير قابضُها. واما لو استُحِقت الجارية لرجع في عبده، إن كان قائما، أو قيمته إن فاتت (?)، ويرد الدنانير التي قبض. والدنانير تردّ في الوجهين جميعًا، ويبطل العقد الأول والثاني. ولكن إذا بطل العقد الأول، باستحقاق العبد، وجب رد الجارية، فإنها في يد من يجب عليه رد العبد، والعبد ليس في يد بائعه، فوجَب رجوعه في عينه أو قيمته إن فات.
ومما يلحق بهذا لو اشترى عبدا بمائة دينار فاطلع على عيب، فأراد ردّه على بائعه، فصالحه بائعه على أن يترك خصامَه فيه، ويعطيه عبدا آخر، فإن مذهب ابن القاسم في هذا أن العبدين، الأولَ والثاني، يقدر كأنهما اشتُريا في صفقة واحدة وكأن العقد في العبد الأوّل إنما وقع الآن حين أضيف إليه العبد الذي أخذه المشتري صلحا، فينظر في استحقاق أحد العبدين، الأول والثاني.