له. ومن رجّح في الغرامة جانب الموهوب له رجحها بالمباشرة، فلهذا حكم ببدايته في الغرامة. ومَن ساوى بين الترجيحين خيّر صاحبَ المال فيمن يبدأ بغرامته، هل الواهب الغاصب أو الموهوب له؟ هذ حكم هبة الغاصب. وأما هبة من وهب بوجه شبهة، فالأشهر من المذهب أنه لا غرامة عليه. وذهب ابن القاسم إلى الحكم بغرامته، كما حكيناه عنه ها هنا في الوارث إذا أكرى محابيا في الكراء. وهذا أصل مقرّر في المذهب أن. متلِف الشيء إذا انتفع به غرم عوضَه وإن كان بوجه شبهة في يديه. وإن لم ينتفع بإتلافه، وقد أتلفه خطأ، ففيه قولان، ألا ترى ان من اشترى طعامًا فأتلفه، ثم أتى مستحقه، فإن مشتريه الذي أكله يغرمه له. ولو اشترى عبدا فقتله عمدًا، ثم أتى مستحقه، فإنه يغرمه له أيضًا لأن تعمُّدَ القتل لا يحِل، فضمِن وإن لم ينتفعْ، لأجل تعديه وظلمه، فإنْ قتلَه خطأً ففيه قولان: تضمينه، وإن لم ينتفع بذلك، لكون الخطأ والعمد في اموال الناس سواء، أوْ لاَ يضمنه لإذْن الشرع في التصرف له خاصّا.
وهذا التأصيل الذي أصلناه يجب أن يستوي حكم المشتري إذا وهب ما اشتراه فأتلفه الموهوب له، وحكم الوارث إذا وهب ما ورثه, لأن الأصل الذي رددنا هذا الفرع إليه يستوي فيه (من وهب في يديه بوجه شبهة كان الذي في يديه كالمشتري، أو بغير عوض) (?). على أن بعض المتأخرين حاول الفرق بين هبة من كان في يديه الشيء الموهوب بعوض أو بغير عوض، فقال: أما إذا كان في يديه بعوض فيحسن ألا يغرم ما وُهب، وإن كان في يديه بغير عوض فإنه يحْسن أن يغرم, لأن الوارث الذي في يديه المال بغير عوض إذا وهبه لغيره اتُّهِم في أن يكون عَلِم أن يكون شاركَه وارثٌ آخُر، فكتم ذلك وأخفاه، وعقد هذا على الموهوب له بمال غيره، والمشتري يبعد هذه التهمة فيه لأنه أدى ثمن ما وهب، فلا يتهم في أن يتلف مال نفسه بالهبة.