قائمًا، فكيف يصح رجوعه عن المكري منه بجميع ما قابل من الكراء بقيةَ هذه المدة، وهو قد أخذ بقية قيمة المدة من مستحق الأرض لمّا اعطاه قيمة بنائه وغرسه قائمًا، ومعنى كونه قائمًا أي باقيا في الأرض، فلا يصح أن يرجع بالثمن الذي أعطاه المكري، وبقيمته ذلك على مستحق الأرض، فيكون قد أخذ ثمن ما اكتراه مرتين، وهذا لا يصح.
وكذلك أيضًا عارضوا قوله في المدونة: إن المستِحق يعطي للباني أو الغارس قيمة بنائه قائمًا، فيصير قد قوّم له مالًا يملكه، وهو جزء من الأرض التي بطل عقْد كرائه فيها.
وقد كنا نحن قدمنا ذكر الخلاف في مستحق الأرض من يد مشتريها، وقد بني فيها أو غرس، هل يجب على المستِحق أن يعطي الباني قيمة ما زاد بناؤه وغرسه في الأرض أو لا يعتبر ما زاد، ولعطيه قيمة بنائه وغرسه قائمًا؟
فإن قلنا: إنه إنما يعطى ما زادت قيمة البناء والغرس في قيمة الأرض برأحا، فإنه يقال ها هنا: ما حكم قيمة الأرض براحا؟ فيقال: مائة دينار، ثم يمّال: كم قيمتها بهذا البناء والغرس؟ فيقال: مائة وخمسون دينارا. فنعلم أن مستحق الأرض إنما انتفع من قِبَلِ الباني أو الغارس بخمسين دينارًا، فيقضى له
بها.
وأما إذا قلنا: مستِحق الأرض يعطي البانَي أو الغارس، وقد اشترى الأرض وغرسها وبنى فيها، قيمة بنائه وغرسه قائما، فإن مَحْمَل قوله في المدونة، في مكترٍ غرس الأرض التي اكتراها وبنى فيها: إنه يقضَى له بقيمة بنائه وغرسه قائمًا. المراد بهذا الإطلاق: قائما في الأرض إلى انقضاء العشر سنين التي عقد الكراء عليها. ولم يرِد قائما قياما مؤبّدا, لأن المكتريَ لم يملِك التأبيد في إبقاء الغرس أو البناء على التأبيد، فكيف يقوّم له ما لم يعاوِض عنه ولا إستحقه ولا دخل في ملكه؟
وبعض المتأخرين يشير إلى إبقاء هذا اللفظ الذي في المدونة على