رجع إلى القول بأنه يعطَى قيمة بنائه قائما, لأن التقويم يكون بمقدار النفقة إن لم يعئن المُنفَق. وذهب ابن سلمة إلى أنه إنما يُعطَى قيمة ما زادت قيمة بنائه وغرسه في قيمة الأرض براحا. وكأن من ذهب إلى هذا رأى ان صاحب الأرض إذا غُلِّب حكمه فمقتضى هذا لا لعطَى صاحب الأرض إلا مقدارَ ما انتفع به من فعل الباني والغارس.
وأما إذا أعطاه قيمة بنائه، وإن لم يزد البناء في قيمة ارضه فكأنه لم يغلب حكمه على صاحب النساء إذا حكم عليه بخسارة مالًا ينتفع به.
وبعض أشياخي يرى أن الأوْلى القضاء بأقلّ المذهبين، فإن كانت الزيادة في القيمة هي الأقل لم يكلَّف صاحب الأرض خسارةَّ، لما غلبناه من تغليب حكمه. وإن كان قيمة البناء أقلّ وقد رفع الضرر عن الباني إذا أعْطِيَ قيمة ما بني.
وإذا قلنا: يعطَى قيمةَ ما بني، فهل تُعتبر قيمته يوم بناه، أو يوم المحاكمة؟ في ذلك قولان، وهما مبنيان على ما كررناه مرارًا في كتاب البيوع وغيرها: أن كل أمر مترقب حدوثه ووقوعه، وهو مسند إلى سبب تقدّم إيقاعَ الحكم به، فهل يقدَّر، إذا وقع الحكم به، كأنه لم يَزَل الحكم ثابتا فيه، فيعطَى، على هذا قيمةَ بنائه يومَ بناه، أو يقدر أنه إنما تحّمل الحكم يومَ وقوعه، ولم يُلتفت إلى تقدم السبب الذي أسند الحكم إليه، فيعطَي قيمته بنائه الآن. وقد مثلنا الفروع التي تجري على هذا الأصل بما يُصحِّحُ ما قلناه.
وإذا تقرر تغليب حكم صاحب الأرض في أن له التملك بأرضه، وطرد الغارس والباني عن غرسه وينائه، لكن يعو أن يعطيه عوضا، على الخلاف في تقدير العوض، كما قدمناه، فإنه إن امتنع من ذلك، فعن مالك روايتان: أحدهما، وهي المشهورة عندنا، أن لصاحب الغرس والبناء أن يطرد المستحق أيضًا عن أرضه، كما يرى المستحقُّ في أن طرد الباني والغارس عن بنائه وغرسه، ولكن يعد أن يعطيه قيمة أرضه، فإن امتنع من ذلك الباني والغارس