والجواب عن السؤال الثالث عشر أن يقال:
مراتب الإجمال يتفاضل فيها الإشكال في ما يقع من المقال. وقد بسطنا في ما أمليناه في أصول الفقه حقيقة الإجمال والظاهر والنص ومذاهب الناس في ذلك.
فإذا قال المقر: لفلان عندي شيء، أو قال: له عندي حق. فإن هذا في غاية الإجمال؛ لأن قوله: "شيء" ينطلق على ما لا يحصى من الأجناس والمقادير وقد مثل المحصلون المجمل في الخطاب بقوله تعالى: {آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (?) لأن الحق المفروض أداؤه يوم الحصاد لم يبين ما هو حتى بيّنه - صلى الله عليه وسلم -، وذكر المراد بما أنزل الله، فكذلك إذا قال إنسان: لزيد عندي حق أو قال: له عندي شيء، فإنه يقال له: بيّنْ ما أردت بقولك "حق" وبقولك "شيء"، فيقضى عليه بما يبين من ذلك ويفسّره قلّ أوْ جلّ، إذا أمكن أن يريد بما أجمل ما فسره به.
(ولو قال: له عندي حق في هذا الغنم، ثم فسر ذلك بأنه عشر شياه منها، لقبل منه ذلك إذا فسر بجزء من مائة جاز من الجنس الذي يذكر في تفسيره، وهو عشر العشر لقبل منه ذلك) (?) ويجلف إن طلب استحلافه المقرّ له، ويتهم بأنه أراد أكثر مما أقر به.
وذكر ابن سحنون فيمن وصى لزيد بحق في هذه الدار أنه يقبل منه ما فسر به الحق ما لم يذكر ما لا يشبه ولا يمكن أن يوصي به، كقوله: وصّى له بإصبع من هذه الدار. لأن هذا مما لا يوصَى به في غالب العادة، فلم يقبل من المقر ما تكذبه فيه العادة.
وإن امتنع من التفسير ولجّ في الامتناع سجن، ولم يخرج من السجن حتى يقر.