أمّا المسلم إذا ارتدّ فإنه قد إنحلّ ما كان ثبت له من أمان في نفسه وماله، فوجب أن يوقف في نفسه ليقام عليه حكم الله سبحانه في قتله إن لم يتب ويرجع إلى الإِسلام، وكذلك يوقف ماله كما وقفت نفسه، لأنه إن قتل على ردّته كان ماله للمسلمين ولا يرثه ورثته. فهو في نفسه وماله على الوقف ليرى ما يكون منه: فإن رجع إلى الإِسلام صار ماله كما صار نفسه على المشهور من المذهب، وإن استبيحت نفسه بالقتل استبيح ماله، وإذا كان الحكم إيقاف ماله واعتقاله: فهل تردّ أفعاله فيه ويكون محجورًا عليه بنفس الردة؟ أو تكون أفعاله ماضية حتى يحكم القاضي عليه بالحجر؟
أمّا إن رجع إلى الإِسلام مضت أفعاله، وأمّا إن قتل على ردته، ففيه اختلاف في المذهب:
فذهب ابن القاسم وأشهب إلى أنه لا يكون محجورًا عليه بنفس الردة حتى يحكم الإِمام بالحجر عليه. ورأيا أن أفعاله ماضية.
وذهب سحنون إلى أنه محجور عليه بنفس الردة.
فهذا قد يحسن أن يقال: إن الاختلاف في هذه المسألة مثل الاختلاف في السفيه المهمل: هل يكون محجورًا عليه لوجود علة الحجر وهو السفه؟ أو لا يكون محجورًا عليه إلا بالحكم بالحجر؟ وقد كنا قدمنا الاختلاف في ذلك، إلى هذا أشار بعض الأشياخ.
وقد يقدح في هذا التمثيل بأن الردة معنى محسوس مسموع فأشبه الجنون والصغر اللذين لا يفتقران إلى حكم حاكم لمّا كان ثبوتهما لا يفتقر إلى اجتهاد، بخلاف السفيه المهمل الذي اختلف فيه، لكن ثبوت السفه فيه يفتقر إلى اجتهاد.
لكن يقال في هذا أيضًا: فإن ابن القاسم ذهب في السفيه المهمل إلى أنه ترد أفعاله وإن لم يحكم الحاكم بالحجر. وذهب في المرتد ها هنا إلى أن أفعاله