شرح التلقين (صفحة 2587)

وهذه الأحكام ثلاثة أنواع: حدود، وعقود معاوضات، وعقود غير معاوضات. وهي على قسمين: منها ما لا يحتاج إلى قبول ومنها ما يحتاج إلى قبول: فإن الحدود تلزمه وتقام عليه بما جناه في حال سكره حتى كأنه جناها وهو غير سكران في صحوه.

وقد حكى بعض العلماء الإجماع على أنه لو قتل لقتل وجرى حكمه في القتل مجرى حكم القاتل الصاحي، وإن كان مجنونًا جنونًا لا اكتساب له فيه لم يقتل إن قتل ولم تقم عليه الحدود وما ذاك إلاّ لما أشرنا إليه من كونه هو السبب في نقص عقله وتمييزه لأنه لو لم يشرب الخمر باختياره لم يفسد عقله إلا لسبب يطرأ عليه. فصار حكم عقله الناقص كحكم العقل التام؛ لأن هذا النقص هو جناه على نفسه، فصار حكمه كحكم العدم. وقد نبّه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على هذه العلة لما اجتمعت الصحابة في الاجتهاد في مقدار الحد الذي يقام على شارب الخمر. فقال لهم علي: "أرى أن يحدّ حد القاذف: ثمانين؛ لأنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى؛ فيقام عليه حدّ القاذف الصاحي" إشارة منه إلى ما ذكرناه. ولم ينكر عليه من اجتمع من الصحابة الاجتهاد في هذا الحكم بهذا التعليل، وهو المعنى الذي أشرنا إليه.

ولهذا أقيمت الحدود عليه.

وأما عقود المعاوضة التي تحتاج إلى قبول، كبيعه وشرائه، فإن أكثر أهل المذهب على أنها لا تلزمه، ومنهم من ألزمه إياها:

فالذين يلزمونها له أجروه مجرى السفيه العاقل، ورأوا أن أقل مراتبه أن يكون كالسفيه العاقل الذي جهله تدبير المال اقتضى ألاّ تلزم عقوده في البيع والشراء، فكذلك السكران، لكونه فقد الميز بالعقل (فقد لا ينتهي إليه السفيه العاقل) (?) تقام عليه الحدود ولا تلزمه عقوده، فكذلك السكران تقام عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015