وحاول بعض أشياخي أن يجعل أيضاً في المذهب قولًا آخر موافقًا لما قال أبو حنيفة والشافعي مع (?) كون النسوان كالذكران في دفع مالهن إليهن وإن لم يتزوجن.
فقال في كتاب الحبس والصدقة من المدونة: إنه قيل له: ما معنى قوله تعالى {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} قال: بلوغ النكاح الاحتلام في الذكران والحيض في النسوان. ولم يشترط الدخول ولا حمل قوله تعالى {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} على أنهم نكحوا بل حمله على أن المراد به بلغوا سن النكاح والاحتلام، كما قال أبو حنيفة والشافعي. والبغداديون من أصحابنا لمَّا ردوا على أبي حنيفة والشافعي قالوا: قوله تعالى {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} هو المراد به نكحوا ولم يود به بلغوا سن النكاح. ولو كان المراد به غير هذا لقال: حتى إذا نكحوا.
ويدل على هذا أن الإجماع على أن الصبي إذا بلغ رشدهُ دفع إليه ماله وإن لم يتزوج. فالله تعالى لم يفرق بين الذكر والأنثى، فقال: حَسِيبًا. فلما أجمع على أن الذكر إذا بلغ رشدًا دفع إليه ماله، فكذلك الأنثى وإن لم تتزوج.
وقال أصحابنا: قد قال تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا}. والذكر إذا بلغ يصح بأن يختبر بأن يعطى من ماله شيئًا يختبر به: فإن أنماه زاد وصيه من ماله شيئًا. فإذا نماه وتكرر ذلك منه حتى عرف أنه رشيد دفع إليه المال.
والصبية البالغ البكر محجوبة لا يراها الرجال ولا كثير من النساء، فيستحيل أن يعرف رشدها وهي محجوبة عن الرجال وعن النسوان لا عن أهلها. والذكر يتصرف بين الناس بعد بلوغه، فيختبر حاله: هل هو رشيد أو سفيه؟ فافترق الحال.