وقد قال في المدونة في الذين يحجر عليهم: "هم الذين ينفقون أموالهم في الفسق والشرب". وهذا إذا كان الإنفاق فيه يأتي على المال ويفنيه، ولا يتحرى صاحبه فيه تجارة يخلف بها ما أنفق، فإنه يتضح ها هنا إلحاقه بالسفهاء. كيف؟ وقد قلنا: إن التبذير في غير الفسوق يوجب التحجير؟ فكيف بالتبذير في الفسوق وركوب الكبائر؟
لكن لو كان هذا يتجر بما في يده تجارة تُصيّر إنفاقه هذا من الآرباح، وباقي المال محفوظ، فإن فيه إشكالًا. وقد يلحق بمن قلنا: إنه لا يحسن الإمساك ولا يحسن التجر.
لكن إن كان هذا لا يمكن منعه من هذه المعاصي بعقوبة من ضرب أو حبس وإقامة حدود، ولا يكفّه عن ذلك إلا نزع المال من يده بعد المبالغة في التجر (?) له وبه وفي العقوبة له. فإن هذا يكون منعه من المال ليس من ناحية السفه، ولكن من ناحية تغيير المنكر، والمنكر يجب أن يغير بأي طريق أمكن حتى إذا لم يمكن إلا طريقة واحدة تعينت على الجملة.
واعتمد أصحابنا البغداديون في الردّ على من ذهب إلى اشتراط صلاح الدين بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أقام الحدود ثم لم يحجر على من أقامها في ماله.
وكذلك أقامها أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، ولم ينقل أنهم حجروا على من أقاموا ذلك عليه.
وهذه العمدة التي اعتمد عليها ابن القصار وغيره في الردّ على الشافعي فيما ذهب إليه. وإنما يتوجه على من قال من أصحاب الشافعي: إن طريان الفسق على من يسلّم إليه ماله، ودفع التحجير عنه يوجب استئناف الحجر عليه كما يوجبه طرو التبذير، وإن كان قد سلم قبل ذلك إليه لما رشد. وأمّا مَن قال منهم بأن طريان الفسق في الدين لا يوجب استئناف الحجر بخلاف طريان