وإن كان السبب غير ملجئ فهاهنا اضطراب في المذهب وبين فقهاء الأمصار، وذلك فيمن فتح قفصًا مغلوقًا على طائر، فطار الطائر لما فتح الغلق عنه، فإن مذهب مالك تضمين الفاتح، طار الطائر عند الفتح أو بعد تباطئ. ولم يختلف عن أبي حنيفة والشافعي في أنه إذا طار بعد تباطئ فإن الفاتح لا يضمنه.
وإنما اضطرب النقل عنهما في طيران هذا الطائر عقيب الفتح من غير مهلة.
فأصحاب الشافعي يقولون: إن قوله اختلف في هذا، وعولوا على قوله في بعض كتبه: إن من فتح قفصًا مغلقًا على طائر، فطار، فإنه لا يضمن. وقال في بعض كتبه: إذا وقف الطائر ثم طار، فإنه لا يضمن. فقيد نفي الضمان بتوقف الطائر عن الطيران، فدل هذا على أنه لو طار بالفور لضمن. وفي التعلق بهذا نظر عندي.
وأما أبو حنيفة فإن أصحابنا يحكون عنه: لا يضمن الفاتح على حال، وأنه لا يضمن التلف إلا إذا كان بفعل المتلف على جهة المباشرة.
وبعض أصحاب الشافعي يحكي عنه أنه إذا طار بالفور فإنه لا يضمن.
وهذا الاضطراب كله راجع إلى ما نبهنا عليه من التفرقة بين السبب الملجئ وغير الملجئ. ولهذا لو فتح هذا الفاتح القفص وحرّك الطيرَ بيده ليطير، فإنه يضمنه من غير خلاف، لأنه يصير قد باشر الإتلاف.
وإذا لم يكن منه أكثر من الفتح فهو سبب كان عنه فعل آخر، فهل يضاف ذلك إلى الفاعل للسبب أم لا؟ هذا موضع الاضطراب بين الأصوليين من أصحابنا والمعتزلة وبين الفقهاء.
ولو لم يكن منه سواء (?) فتح القفص، ولكن حاذى القفص رجل فطار الطائر، فإن ابن القصار، من أصحابنا، أفرد الفاتح بالضمان، ولم يلزم القيام (?)