قولين مشهورين عندنا في غاصب باع السلعة المغصوبة من رجل يعلم أنها مغصوبة: هل يمضي البيع إذا أمضاه مالكها أم لا؟ ولكن يجب على ما أصّلناه أن يحمل الخلاف في هذا على أن الغاصب والمشتري عقدا على مغالبة رب السلعة في فسخ البيع وأنهما لا يمكنانه منه. وإن دخلا على أنه يتمكن من الفسخ متى شاء، ولا يقدران على مدافعته عن ذلك، واختار (?) ما عنده من إرادةٍ لفسخ البيع أو إمضائه لا يعلم إلا بعد أمد طويل لا يدرى منتهاه، فإنه ينبغي ألاّ يختلف في هذا الوجه، كما لم يختلف في عقد بيع خيار على اشتراط خيار رجل بعيد الغيبة، على المعروف والمشهور من أصل المذهب. ويلتفت أيضًا، إذا لم يدخل المشتري مع الغاصب على كون الانعقاد إنما يثبت بعد مطالعة رب السلعة، أو يعتقدان (?) على ترك اعتبار مطالعة (?)، إلى ما توجبه الأحكام في تنزل الأحكام منزلة ما عقد المتبايعان باختيارهما أم لا؟ وقد مرّ ذلك مستقصى في مسائل كتاب البيوع.
ولو أراد صاحب السلعة المغصوبة أن يُلزم الغاصبَ قيمتَها، وهي لم تتغير في يد المشتري في سوق ولا بدن، لم يمكن من ذلك لقدرته على استرجاع سلعته المغصوبة بعينها من غير ضرر يلحقه في ذلك. هذا مما يمنع منه صاحب السلعة، ولا يكون ذلك من حقه.
فإن قيل: هل لا يجري هذا على الاختلاف، الذي ذكرتموه، فيمن غصب عبدًا فأعتقه، فأراد مالك العبد أن يضمِّن الغاصبَ القيمةَ ليُنفَّذ عتقه فيه. وقد حكيتم أن في كتاب ابن شعبان قولين في هذا، فكذلك ينبغي أن يكون في بيع الغاصب، ويكون بيعه لهذا العبد مع علمه أن البيع لا يصحّ إلا فيما يملكه البائع، عَلَمًا على التزامه القيمة، كما كان عتقه العبد علمنا (?) على التزامه القيمة.