المترقَّبُ ما يكون منه، وإنما يقدر الحصول عند الوجود. وهذا ينظر إلى ما قالته الحكماء: إن الوجود على قسمين: وجود بالقوة، وهو مثل النواة تغرس، فإنها يترقب مصيرها نخلةً. ووجود بالفعل، وهو حصولها نخلة كاملة. فإذا قلنا: إن سيد العبد إذا تغيّر عبده في يد الغاصب فاختار تضمينه القيمة، فإن القيمة كأنها لزمته، وملك بها العبد من حين الغصب. أو يقال: إنما يقدّر حصول الملك يوم اختار سيد العبد تضمين الغاصب القيمةَ فيكون العتق وقع في غير ملك، ولِمَا ذكره ابن شعبان من الخلاف في تمكين سيد العبد من إمضاء العتقال في فعله الغاصب وطلبه بالقيمة، فإن هذا يُستبعد، لكون العتق قولًا لم يؤثر في العين ولا في السوق، ووقع من غير مالك، وهذا يصيّره كالعدم، فإذا صار كالعدم فليس لسيد العبد أن يُلزم الغاصبَ القيمة إذا رَدَّ عبْلَه إليه بفور غصبه غيرَ متغيّر لا في سوق ولا بدن.
وعندي أن وجه القول بتمكين السيد من إمضاء العتق في إلزام الغاصب القيمة، أن من ذهب إلى ذلك قدّر أن الغاصب المعتِقَ الملتزمَ، بعتقِه، قيمةَ العبد، لتقدم علمه، أن العتق تقرّب من الله سبحانه، وإحسان إلى العبد، ولا يحسن ذلك إلا مع الحكم بنفوذه. وقد قيل في تعدي الوكيل بأن باع بعَرْض فإنه ضامن. وقد تقدم ذكر هذه الرواية وما حملت عليه. لكن يُلتفت في هذا أيضًا إلى أصل آخر، وهو اختلاف الأئمة رضي الله عنهم في المضمونات: هل تُملك بالضمان أوْ لاَ تملك؟. وهذا، وإن أطلقه بعض المصنفين فجعله على مثل ما نحن فيه من ضمان التَّعدّي الغير مشروعٍ لا في ضمانٍ أوجبه الشرع بحكم التوفية على البائع، كمن باع أمة ووجب عليه مراضعتها (?)، فإن ضمانها في أيام المراضعة (1) من البائع. ولا يختلف أنه لا يفلكها بهذا الضمان، كيف؛ وهذا قد أخرجها من ملكه، وإنما عليه توفية المبيع، وتوفيته ها هنا إنما تحصل من التمكين من الأمة فارغة من العمل. وأيضًا فإن البائع لا يُضمَّن ضمانَ القيمة