والغاصب لأرض أو دار لم يفعل فيها شيْئًا، لا من نقل ولا من غيره، وإنما فعل في مالك العقار بأن منعه من التصرف في ملكه، وحال بينه وبين ملكه، وأما ذات الأرض المغصوبة فلم يفعل فيها شيئًا. فلأجل هذا نفى الضمان في العقار، (وتابعه في ذلك أبو يوسف. وخالفه محمَّد بن الحسن فقال بقوله) (?).
ولنا عليه أن القبض يختلف باختلاف أجناس الأموال، فليس قبض الثياب كقبض العبيد، ولا قبض العبيد كقبض البهائم، ولا كقبض الطعام؛ وكذلك العقار إنما جرى العرف في قبضه بالتمكن منه، والاستيلاء عليه، وإزالة يد من كان في يديه. وهكذا قبضه في البياعات، فكذلك يجب أن يكون في الغصوبات .. وقد تقدم (من ذنبه) (?) أن القبض في الوهن شرط في صحته فيجب أن يمنع من رهن الديار لعدم تصور القبض فيها على ما أشار إليه.
وهكذا لو كانت عند رجل وديعة فمنع صاحبها منها، وحال بينه وبينها، فإنه يكون كالغاصب على أنه لم ينقل الوديعة من يد ربها حِين اعتقاده الغصبَ إلى يده، وإنما تصور الغصب بالاستيلاء عليها ومنع صاحبها. إلى غير ذلك مما تكثر الشواهد فيه.
ومما يلحق بهذا مما وقع في مذهبنا في غاصب أمّ ولدِ رجلِ في يديه فإن ابن القاسم ضمنه قيمتها على أنها أمة مملوكة وكذلك ولد أم ولده من غيره، فإنه إذا مات في يديه ضَمِنه عند ابن القاسم، ووافقه سحنون في التضمين لولد أم الولد، وخالفه في تضمين أم الولد نفسها، فرأى أنه لا ضمان عليه فيها لأجل أن ولد أم الولد فيه الاستخدام يؤاجر فصار فيه ضرب من تموّل، فلهذا ضمِن الغاصب قيمته عندهما. وأما أم الولد نفسها فلا تؤاجر، وإذا كانت لا تؤاجر لم يبق فيها ما يتمول ولا يباع ولا يملك. وكأن ابن القاسم يرى أنها لو قتلت