شرح التلقين (صفحة 2410)

بذلك أن القاتل إذا قتل ولم يقتص منه استبيحت الدماء، وأفنى الناس بعضهم بعضًا بالقتل ظلمًا .. وإذا عَلِم القاتل أنه يقتل إذا قَتل مع ما ركب الله سبحانه في الطباع والغرائز من الخوف على النفس، كفّ عن القتل لئلا يقتل. فكأن القصاص هو الذي أوجب صيانة نفسه. فكذلك متلف الأموال إن لم يغرمها، ويعاقب عليها إذا ظَلَم في أخذها أدّى ذلك إلى الافتيات على الأموال، حتى لا يُبقي القويُّ في يد الضعيف شيئًا. ولهذا قوله عليه السلام: "كل المسلم على المسلم حرام" (?) فذكر نفسه وعطف عليها المال والعرض، تنبيهًا منه - صلى الله عليه وسلم - على أنه لو لم يَزجِر عن ذلك ويشرع فيه ما شرع لَتَلِفَتْ الأنفس والأموال والأعراض.

وهكذا عطف المال على الدم، فيما شرعه، من المدعي لذلك، لو قبلت دعواه لاَسْتبيحت الدماء والأموال، فقال: "لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماءَ قوم وأموالَهم" (?) فقرن المال بالدم، ونبه على أن الحكمة اقتضت ألا يباح ذلك بالدعاوي.

والجواب عن السؤال الثاني أن يقال:

أما من أتلف على رجل شيئًا وجب عليه عوضه. وبذلك قال تعالى: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" (?) وظاهر عموم هذا أن من أتلف شيئًا قضي عليه بمثله، من أي نوع كان هذا المتلَف. فأما إن كان هذا المتلف مكيلًا أو موزونًا فالآية على عمومها فيه عند فقهاء الأمصار. وينضاف إلى ذلك المعدود الذي يتماثل أفراده وآحاده، وتقع المعاوضة على العدد، كالجوز والجِلَّوْز وشبه ذلك؛ لأنه إذا تساوت آحاده لم يكن الغَرَض في عين كل واحد بل في مبلغ الجملة، ومبلغها يُعرف تارة بالكيل كالقمح والشعير، وتارة بالعدد، كما ذكرنا في الجوز والجلوز وأشباهها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015